الوطن

للقانون سلطان وعرش وصولجان

 المحامية بشرى الخليل

تعليقاً على تصريح معالي وزيرة العدل عن الرابط بين مجلس القضاء الأعلى والسلطة الفاسدة، نسأل: «لمصلحة من التشكيك المستمرّ بالقضاء»؟

وهل هو أمرٌ غير فاسد أن يأتي التشكيك برأس السلطة القضائية من عضوٍ في السلطة التنفيذية المطلوب في الأساس فصل السلطة القضائية عنها في الأصل والجوهر؟!

وإذا كانت العدالة في الأصل والجوهر ضرورة إنسانية واجتماعية ووطنية وأخلاقية لأنها تعمّق الشعور بالمواطنة وتحقق الاستقرار والسلام الاجتماعي وتضمن الأمن، أفلا يكون المسّ بحراسها تحريضاً على زعزعة الثقة بالمواطنةوالإخلال بالاستقرار والأمن والسلام الاجتماعي؟!

وإذا كانت الدولة هي دولة قانون كما يُشاع حيث يقتضي أنّ للقانون سلطاناً ومهابة وعرشاً وصولجاناً، أفلا يكون الطعن بمن يمسكون بزمامه مسّاً بسلطانه وقَدْرِهِ وجلاله حيث هو سلطانٌ.. وصاحب جلالة ومهابة وسموُّ؟!

وإذا كانت الإدانة تقتضي أن تتوافر الأدلة والعناصر الجرمية بصورة قاطعة وجازمة ويرتاح إليها الضمير والوجدان،

أفلا يكون »حكم الإدانة« ــ الصادر عن راعية العدالة في السلطة التنفيذية ــ لمجلس القضاء الأعلى بـ«الفساد« سنداً إلى الظن بأنّ »اللي جابو سلطة فاسدة«، هو بدوره حكماً فاسداً لأنذ الأدلة عليه غير قاطعة وجازمة.. واستطراداً غير كافية!

أوَلم يأتِ إبراهيم جدّ الأنبياء جميعاً وجدّ موسى وعيسى ومحمد من أبٍ فاسد غير صالح..

وبصورة عكسية ألم يَلِد نوح بصلاحه وكماله وعدله ولداً غير صالح بشهادة رب العالمين عندما ناداه: ربيولدي من أهلي، ليجيبه الرب: ليس من أهلك إنه عملٌ غير صالح

إذن أيّ دليل قاطع وجازم هو الذي استندت إليه وزيرة العدل عند النطق بحكمها، الذي أرادته مبرماً، على فساد رأس السلطة القضائية: »ما اللي جابهم السلطة الفاسدة«… عندما يقطع الله رب السموات والأرض بأنّ الصالحَ قد يأتي بغير صالح وأنّ غير الصالح قد يأتي بصالح حيث هو مُخرج الخبيث من الطيب والطيب من الخبيث؟!

وإذا كانت وزارة العدل التي نيط بها ربط العروة الوثقى بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية لا تُدرك أنّ هذه القواعد قد وضعها القاضي الأكبر المستوي على العرش فوق كلّ قاضٍ وحاكم وولي، فكيف لها أن تأمر أو تحكم أو تُقدّر ثم تتوخى لأمرها أو حكمها تقديراً عند أيّ كان؟

وإذا كان رأس وزارة العدل لا يعلم أنّ في هذا القضاء أعلام كبار ونسمّي ممن تقاعدوا مؤخراً القاضي الرئيس جوزيف سماحة والقاضي الرئيس طنوس مشلبونتحفظ عن ذكر من لا يزال في السُدَّة كي لا يضطر إلى التنحّي أو نضطر لطلب ردّه في حال عَرَضَتْ لنا قضيةٌ لديه، كـ »القاضي ذي الباب المفتوح«… وهم أشباه أبي حامد الغزالي وأبي حنيفة النعمان وغيرهما ممن رفضوا بإصرار تَدَخُّلَ أهل السلطة والسياسة في قضائهم بعد أن ولّوا السيادة الكاملة للحقوتمسكوا بالقانون كسلطان فوق الجميع وأبدوا الولاء للعدالة حيث رأوا أنها وحدها صاحبة الجلالة والمهابة والسموّ.

فنحن والعدالة إذن في مأزق حقيقي ونزاع مع هذه السلطة التنفيذية الغافلة عن شؤون بيتها الداخلي

فالقاعدةأنه عندما يُقرّر وزير للعدل أن يتحدث عن شؤون بيته الداخلي عليه أن يكون عالماً بكلّ ما يجري في هذا البيت

وعليه أن يعرف أنّ ثمة قضاة تحقيق يدفعون الكفالة من مالهم عن موقوف عجزت أمه عن دفع كفالة تخلية سبيله

وأنّ ثمة موظفين في دائرة تحقيق قد »ارتكبوا« الفعل نفسه حيث جمعوا من بعضهم البعض الكفالة ليكفكفوا بها دمعة أُمّ لم يحتملها نبلهم

وانّ ثمة موظفين يلازمون مكاتبهم حتى ما بعد مغيب الشمس لتدارك ما لم يُسعفه الوقت من حوائج الناس

القاعدةأنه عندما يقرّر وزير العدل أن يتحدث عن شؤون بيته الداخلي أن يكون متحفظاً كما درجت العادة في مجالس القانونوكما تقتضي الآداب من أمانة في المجالسوأن يكون كاظماً للغيظ عند الحديث عن التجاوز والغلطوأن يكون آمراً بالمعروف عند ممارسته لصلاحياته الممنوحة له بالقانون

وأخيرا، عليه أن يسلك ما يقتضيه سلوك ونهج الفضيلة عند وقوع الخطأ منه فيعتذر لكي يصحّ أن نقول عنه صاحب فضيلة أو معالي…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى