الوطن

سياسة النعامة لا تنفع مع سياسيين يعرفون من أين تؤكل الكتف…!

} علي بدر الدين

لم يشفع للبنانيين خضوعهم لفيروس كورونا الذي ألزمهم الحجر المنزلي والتعبئة العامة وحظر تجوّل ليلي وفرض سير السيارات والمركبات على المفرد والمزدوج فضلاً عن خطره المتربّص بهم الى حدّ الوفاة، الى تداعيات إقفال الشركات والمؤسسات والمصانع والمهن الحرة وكلّ ما له علاقة بدورة الحياة الإنتاجية، حيث تحوّل معظم الشعب اللبناني الى كتل بشرية عاطلة عن العمل ويخشى الجميع من تمديد التعبئة واستمرار الإقفال إذا ما استمرّ تمدّد خطر هذا الفيروس الوبائي، وهذا يعني بكلّ بساطة انّ الأوضاع الإقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية ستزداد سوءاً وتأزّماً وانحداراً لبلوغ الهاوية.

وعلى رغم السواد الذي يغطي لبنان ويؤشر لمرحلة أكثر مأساوية وقسوة واسوداداً فإنّ الطبقة السياسية الحاكمة ماضياً وحاضراً، ولا أحد يتمنّى أن يكون الطقم السياسي ذاته حاكماً في المستقبل، ما زالت تمارس طقوسها السلطوية الخاصة التي فرضتها على اللبنانيين منذ أول حكومة شكلت بعد اتفاق الطائف ولم تغيّر من سلوكها في إدارة شؤون البلاد والعباد على كلّ المستويات ودائماً الأولوية والأفضلية لمصالحها وحصصها وأزلامها ورغم الحروب العبثية الداخلية وتراكم الديون والانهيار الاقتصادي والإفلاس المالي وتزايد نسبة الفقر وتفشي الأمراض وسقوط العملة الوطنية المريع وغير المسبوق في أحضان الدولار الأميركي المدلل من الطبقة السياسيه وحيتان المال وأصحاب المصارف والنكبات التي تضرب من دون هوادة في هذا البلد الذي ابتلى بسياسيين متغوّلين وبشعب معظمه وضع أعناقه أمانة عند هؤلاء لذبحه او التلويح به كلما صرخ ألماً وجوعاً يعني غبّ الطلب لأيام الحشرة.

انّ لبنان اليوم بات على شفير الهاوية عملياً وخاصة انّ كورونا أغرقته بمزيد من الأزمات والتعقيدات في زمن العالم فيه موبوء ويبحث عن خلاصه، والداخل فقد مناعته وسقطت حصانته وتفشى فيه الفساد والمحاصصة بين القوى السياسية المتحكمة في كلّ شيء، وسقطت كلّ أوراق التوت وتعرّت سياسة الجميع ولم تعد تفيدهم قشة او اصبعاً للتستر على ارتكاباتهم المالية وصفقاتهم ولن يخجلوا من ايّ اتهام بالفساد والنهب والاستئثار والمحاصصة لأنهم اعتمدوا مقولة القافلة تسيرولا همّ من يصعد ومن يتخلف على قاعدة اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب.

الأهمّ من كلّ ذلك أن تخرج الحكومة المستهدفة والمصوّب عليها من غير اتجاه من صمتها المحيّر ومن تردّدها وسياستها الناعمة الى حدّ الاستسلام والانبطاح أمام حملات الاستهداف وكأنها من دون أنياب ولا حول ولا قوة لها وكأنّ جلّ ما تفعله «قوم عني لفرجيك». انّ سياسة النعامة لا تنفع في مواجهة طبقة سياسية متمرّسة ومحنّكة وتعرف من أين تؤكل الكتف ولكنها اهتزّت في انتفاضة ١٧ تشرين الأول الشعبية وانكشفت نقاط ضعفها وانكشفت معها ملفاتها وفسادها وثرواتها، ولا ندعو لفتح معارك جانبية تكون من نتائجها الإطاحة بالحكومة التي تشكلت في ظروف صعبة ليست خافية على أحد، ولا يمكن بالتالي إنقاذ الوطن بالمجاملات والمسايرة او بطريقة علمية خوفاً من استنفار العصبيات وفق ما قاله رئيس الحكومة حسان دياب أمس الأول، وليس أيضاً بالوقوع بالخطأ والاستعجال والتسرّع باتخاذ القرارات لأنّ الوضع لا يحتمل الأخطاء، ولا ان يكون لبنان حقل تجارب لا سيما انّ البلد يغرق وهو أحوج ما يكون في هذه المرحلة الاستثنائية الى سباحين مهرة ويجيدون السباحة في كلّ الظروف المناخية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل الهبوط الى القعر الغويط.

وآخر مثال على تسرّع الحكومة هو قرار تقديم المساعدات المالية والغذائية مع أنها بادرة وطنية ومطلوبة وفي أوانها إلا أنها افتقدت إلى الآلية لتحقيق عدالة التوزيع ووصول المساعدات لمستحقيها وشجاعة رئيس الحكومة دفعته للاعتراف بأنّ الحكومة استعجلت التحضيرات لتوزيع المساعدات الغذائية والمالية، والتراجع عن الخطأ فضيلة.

وللتذكير بما كتبته في مقالة سابقة انّ الحكومة ورّطت نفسها بقرار المساعدات لأنها غير قادرة على إحصاء العائلات الفقيرة والمحتاجة في كلّ لبنان وعلى من ستعتمد لإيصال المساعدة الى المستحقين في منازلهم من النفوس الأمّارة، وخاصة انّ تجارب توزيع المساعدات لا تشجع على التفاؤل لأنّ الخوف لا يزال قائماً ويكمن في وجود من يجرؤ على مصادرة حقوق الناس. وقد كشف الجيش عن تلغيم اللوائح وتزوير أسماء وإضافة أخرى ممن لا حقّ لهم.

أحسنت الحكومة ورئيسها الاعتراف بالخطأ والرجوع عنه وعدم المكابرة وتسليم الملف إلى المؤسسة العسكرية المؤتمنة على الوطن والشعب والمؤسسات.

وكان الأجدى لو انّ الحكومة تخلت عن الهيركات وسحبته من التداول لأنه ساقط سلفاً ولا يمكن ان يعبر لأنه يصيب المودعين في الصميم، لأنهم لم يكونوا يوماً سبباً للأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية ولا علاقة لهم بتراكم الديون وإفلاس البلد وإفقار الناس وتجويعهم وحرمانهم من كلّ حقوقهم لأنها وحدها الطبقة السياسية بعهودها وحكوماتها وأزلامها هي المسؤولة الوحيدة وعليها ان تدفع الثمن وليس المودع او المواطن.

الحكومة وغيرها تدرك حجم الخطر الذي يهدّد لبنان وعليها أن تشمّر عن ساعدها وتفرض هيبتها وتقول كلمتها في وجه سلاطين جائرة وتتخذ القرار الجريء الذي قد يساعد على إعادة الاموال التي نهبت على مدى ٣٠ سنة لأنها لو خرجت من عقدة الطبقة السياسية قوة نفوذها بالضربة الأولى والدخول الى ملعبها ستكون بداية الطريق الصحيح وبدلاً من الهيركات يكون الهاندكات لكلً من نهب المال العام٠. بطبيعة الحال لا يستحق الهيركات كلّ هذا السجال والصخب السياسي والإعلامي لأنه أصبح في موقع التنفيذ لأنّ سعر صرف الدولار الذي تجاوز الـ ٣٠٠٠ ليرة بلع ٥٠ بالمئة من أموال المواطنين والمودعين الذين طارت أموالهم ولا أحد يعرف أين حطت وفي أيّ جيب أو خزنة بنك او قصر او فيلا في لبنان او الخارج وهي فعلاً موجودة ولكن هل لأحد المودعين ان يحصل عليها كحق يضمنه الدستور والقانون.

كفى نهباً لحق الشعب وماله وتعبه وقوت عياله وصحته وكفى جشعاً واستهتاراً واستعلاء وكما يقول المثل «يا دايم الدوم كلّ مَن له يوم» وعلى الظالم والطاغية تدور الدوائر والشرور.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى