مقالات وآراء

ذريعة «قانون قيصر» ومحاولات صهيونية لتجفيف منابع القوة السورية

 

} د. ساعود جمال ساعود*

قانون قيصر قانونٌ عرّفنا المعنى الدقيق لعبارة «العجب العجاب» التي لطالما سمعناها في القصص الخرافية، والآن عادت تتجلّى في الواقع بصراحة وعياناً، إذ كيف لمجموعة من الصور الملفّقة جمعها حاقدٌ مأبون، لا بدّ مجنّدٌ لصالح جهات خارجية ومدعومٌ من قبلها، يقدّم مجموعة من الصور لمشاهد كاذبة لفقتها القنوات الإعلامية والجهات الاستخباراتية المعادية للدولة والشعب السورية والتي تستهدف ضرب الأمن والاستقرار السوريّين لا أكثر عبر النيل من السمعة والمكانة السورية في المحافل الدولية، فـ «قيصر» أيها السادة هذا الاسم الذي حمل اسم هذا القانون هو نسبة لشخصٍ مجهول/ ادّعى كذباً وزوراً أنّه جمع صوراً لما حلّ بالشعب السوري ممّا سماه «مأسي»، والذي لقي تأييداً من «هيومن رايتس ووتش» المنظمة الدولية الغير حكومية ذات المواقف الزئبقية والمتحيّزة حسب مصالح الدول الكبرى، متناسياً هذا اللعين أن يسلط الضوء على ما اقترفته الجماعات والتنظيمات الإرهابية من جرائم تناقض القانون الدولي والإنساني وحتى القوانين المحلية للدول جمعاء، فهذا الأمر تمّ إغفاله، ولا نستطيع تقديم دليل على أنّ «قانون قيصر» جزء من مؤامرة اقتصادية أكثر من هذا الدليل، فقد أغفلت الصور والدول والمنظمات التي تبنّت هذا الموقف ما وقع على طبقة وشرائح المؤيّدين للدولة السورية، الأمر الذي يوضّح أنّ هذا القانون ضدّ هذه الشريحة بالتحديد.

يحتاج هذا القانون لدرجة بسيطة من الفهم حتى يتيسّر للقارئ اكتشاف الأهداف منه، حيث ورد فيه أنّ «قانون قيصر» مخصّص لحماية المدنيين في سورية هو اسم للعديد من مشاريع القوانين المقترحة من الحزبين في الكونغرس الأميركي، يتضمّن فرض عقوبات (مالية) وهنا يجب أن نركّز على كلمة مالية، فالخطة ذاتها مع أيّ دولة يتّبعها ترامب وفريقه الحكومي، بالنسبة للدول التابعة كالسعودية التي امتصّوا مالها، والأمر كذلك بالنسبة للدول التي ترفض وتعادي السياسات الغاشمة العدوانية الصهيوأميركية كما هوا الحال بالنسبة لسورية والعقوبات الاقتصادية ضدّ الحليف الإيراني.

هذا القانون جاء تحت مبرّرات وادّعاءات كاذبة من قبيل حماية المدنيين وأيّ «مدنيين»، لقد بات السوريون يعرفون تجربة تنظيم أصحاب القبعات البيض الإرهابي الذي وفد للداخل السوري تحت مبرّرات إنسانية، ليثبت في ما بعد أنّهم تنظيم إرهابي بغطاء دولي، فهذه المبرّرات الإنسانية ما هي إلا قنوات للتدخل في الشؤون الداخلية للدول التي يريدون استهدافها ونهب خيراتها، وتجفيف منابع قوتها، بغرض إخضاعها لسياساتهم التي تجعل من الدول أدوات مطواعة لخدمة أهدافهم فقط.

وبخصوص قولنا «تجفيف منابع القوة السورية» فالهدف الأول والأخير من هذا القانون الذي يأتي ضمن سلسلة العقوبات الاقتصادية التي تستهدف النيل من الاقتصاد السوري وحرمانه من كافة القنوات الرافدة له، ومن باب التأكيد والتدليل يستهدفُ القانون اللعين الشركات التي تقدّم التمويل أو المساعدة للدولة السورية ولشعبها، كما يستهدفُ عدداً من الصناعات السورية بما في ذلك تلك المُتعلِّقة بالبنية التحتية والصيانة العسكرية وإنتاج الطاقة، ليتّضح بما لا يترك مجالاً للشكّ بأنّ هذا القانون هو جزء من كلّ جزء من حربً اقتصادية على مراحل، ومتعدّدة الأدوات، ومختلفة المجالات فلا تترك قطاع اقتصادي دون آخر، ولا تترك مصدر تمويل دون آخر إلا وتستهدفه ولكن على مراحل، وبمبرّرات مختلفة.

على العموم إذا كان من الصحيح كما يقول الأميركيون إنّ الهدف معاقبة سورية وحلفائها الروس والإيرانيين، فمن المؤكد أنّ هنالك إجراءات سورية روسية إيرانية لمواجهة هذا القانون الذي لا يغدو أكثر من تهويل إعلامي وحرب نفسية ضدّ سورية في حقيقة الأمر، فالقاصي والداني في سورية يعرف أن العقوبات كجزء من حرب اقتصادية ترافقت مع الحروب الإعلامية والنفسية والسياسية والعسكرية ضدّ سورية هي في المحصّلة حربٌ بدأت منذ الدقائق الأولى لاندلاع الحرب على سورية، فلماذا هذا التهويل الإعلامي والمخاوف من «قانون قيصر» لا أعرف ولا بدّ أنّ هذا الأمر يدخل ضمن تناول المواضيع كمادة إعلامية معدّة للاستهلاك الإعلامي مسبقاً.

ولو أحتجّ علينا أحدهم وقال إنها مسألة تهديد لأمن الدولة ويجب حساب سلبياته وطرق الخروج منه، قلنا هذا صحيح، ولكن «قانون قيصر» – كما قلنا جزء من كلّهذا الكلّ الذي بدأ منذ عام 2010 – 2011، وأنّ التدابير ستكون مشابهة لتلك التي تمّ اتخاذها منذ تلك السنوات، لذا لا داعي للخوف، فالقيادة السورية بالتأكيد اتخذت الخطوات الوقائية اللازمة لمواجهة هذا القانون الذي هو في جوهره مشروع خرق واستهداف لأمن واستقرار سورية في محاولة لزيادة الضغط وتضييق الخناق ضدّ الشعب السورية، ولا يهمّنا ما يُشاع عن الانتخابات الرئاسية المقبلة، فالشعب السوري اليوم وبكافة شرائحه وأطيافه يثق بالرئيس بشار الأسد وقيادته الحكيمة والشجاعة، والقاعدة الشعبية بحجمها الواسع تقف معه وخلف قيادته، والشعب على دراية كاملة بالمخططات الخارجية التي تستهدف سورية شعباً وقيادة، ولا بدّ أنّ الدولة السورية ستجد طريقاً للخروج من هذا العائق الصغير، لأنّ ما تمّ تجاوزه في السابق كان أكبر وأخطر

*دكتوراه في العلوم السياسية جامعة دمشق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى