أخيرة

لنحمِ أطفالَنا بالعناية والحب!‏

} حنان سلامة

ولأنّ الطفل كالنبتة الليّنة في حضن التراب

وجب علينا أن نكون ماءً صافي الانسياب،

وكي تقاوم النبتة الخوف من هجوم الضباب

لنطلق لها شرح الحياة من أوراق الكتاب،

فما الكتاب سوى عائلة

وما الصفحات سوى دليل عشق

بين شروق الشمس والغياب

فاروِ نبتة الطفولة بابتسامة الحنان

كي نقطفها في الغد نجاحاً

على مسرح الشباب

الأطفال رونق الحياة وزخرفها، لهم الحق في الحياة الكريمة، وفي أن يحظوا بالاهتمام الفائق بكلّ الوسائل المتاحة، فهم حماة الوطن وصنّاع المستقبل، لذا يقع على عاتقنا إيلاء مسؤولية الاعتناء بهم؛ والأولوية في تربية الأطفال هو أن نغرس فيهم عزة النفس ونحرّرهم من الذلّ. فهم كالنبت، إما أن نرعاه فنحصد منه ثمراً نافعاً، أو نهمله فيصبح زرعاً غير منتج، وتكون نتيجة التربية السيئة شباباً فاسداً يشكل عبئاً على الأمة. فالإعداد السليم مهمة صعبة تتطلب مجهوداً لغرس سلوكيات صالحة في الأطفال تمهّد إلى الحصول على جيل صالح. الوعي الكافي في أسس التربية يساعد على المضيّ قدماً نحو مستقبل مشرق، ويمهّد لتنشئة جيل واعٍ يحمل على كاهله أمل المستقبل ليركب أبناء الوطن قافلة التطوّر.

تتعرّض الطفولة في يومنا هذا إلى الخطر، حيث تنتشر ظاهرة «التشرّد والتسوّل» التي تهدّد المجتمعات النامية، وتعكّر المشهد الحضاري، وتؤدّي الى دمار البنية الأساسية للأوطان. هذه الظاهرة تتزايد وتتفشى نتيجة أسباب عديدة قد يكون الفقر أحد أسبابها، حيث لا يتمكّن الأهل من تأمين المأوى أو توفير الأولويات الضرورية للأبناء بسبب انعدام مصدر الدخل، فيدفعون أطفالهم إلى التسوّل ويضيعون في الطرقات. وأحياناً يكون السبب أعقد من مشكلة الفقر، مثل التفكك الأسريّ أو العنف المنزليّ المتمثل بالإيذاء الجسدي أو النفسي أو سوء المعاملة، فيهرب الطفل من الجو المتوتر، ويلجأ إلى التسوّل ويصبح نواة لجيل منحرف يميل إلى السرقة وافتعال الجريمة. فاختلال نظام الأسرة أو لامبالاة الأهل تكون نتيجته أحياناً لجوء الطفل إلى تعاطي المواد المخدّرة، فيصل إلى مرحلة الإدمان، ويمدّ يد العوز بطريقة مذلة ليحصل على المال، وينتهي به المطاف الى سلوك درب غير مستقيم يؤدي إلى ضياع مستقبله ويصبح ضحية مجتمع. فمن أهمّ التحديات التي يواجهها حينئذ حالة العوز التي تدفعه إلى ارتكاب الأخطاء للحصول على حاجاته.

المشاكل الأسرية جريمةٌ ضدّ الطفل تؤدّي إلى اختلال سعادته واستقراره، وتزرع الخوف في نفسه، فيفقد احترام أهله والانتماء إليهم، وبالتالي يفقد الأهل هيبتهم إذا تكرّر مشهد الجدال أمام الأبناء. لذا، على الأهل أن يراقبوا تصرفاتهم إزاء تربية الأبناء، وأن يدركوا كيفية حسم الخلافات عن طريق الحوار لوضع أسس تبنى على رجاحة العقل والحكمة.

أشبالنا صنّاع الوطن ومصدر بهجتنا. يبتسمون فيتّسع أفق الفضاء، في حين يسيل دمٌ باردٌ من أوردة أسرة أنانية تفتقر إلى نظرة رحيمة نحو طفل لا ذنب له في الخلافات الأسريّة. أطفالنا دفترٌ أبيض ينتظر أن نخطّ عليه في كلّ لحظة ما نودّ أن نزرعه في جوفهم من مبادئ وأخلاق. هم نواة المجتمع، لذا فالمسؤولية مشتركة كي نعمل على منع الانزلاق في فجوة الرذيلة.

سلوا أنين الطفل عندما يجوب التعب فوق وسادتهسلوا دموعه عندما يرى طفلاً يحيا بعزّ وكبرياءسلوا الطفولة التي ترتدي ثوب الذلّ فيما يتعرّى بعض الأهل من المسؤولية: أيكفي الاعتذار وسط اللوعة اللامتناهية؟

الذلّ يحصد كرامتهيغتال براءتهيذبح طفولته فوق أزقة الطرقات التي تحمل جوعه وأوجاعه.

بعض الأهل يخونون الطفولة حيث يصرخ الأطفال ولا تسمع أصداء أصواتهم.

عن أيّ حضارة نتكلّم وسط تشرّد الأبناء الذين ينتظرون صحوة ضمير أهلهم؟

تخنقني العبرة حين أقارن بين شريحتين في المجتمع: الأولى طفلٌ يحظى باهتمام فائق في جو أسري متماسك، والأخرى طفلٌ يفتقر إلى أدنى أسباب العيش الكريم ضمن مساحة معدومة من الرفاهية وسط لا مبالاة القيّمين عليه.

أنقذوا الأطفال وانتشلوهم من تحت ركام الاستهتار، ولا تذبحوا آمالهم بإشراقة الغد الواعد. كونوا المرجع الذي يعودون إليه حين يواجهون مصاعب الحياة، والحضن الذي يجدون فيه «المنقذ» من الهبوط في الهاوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى