هل ينجح «الأستاذ» في مجابهة «قيصر» والفوضى؟
} د. وفيق إبراهيم
رئيس مجلس النواب نبيه بري شديد التجذر في السياسة اللبنانية، ويعرف الفرق بين المناكفات الداخلية على تعيين أو تحاصص وبين المواضيع ذات الطابع الوطني المهدّدة للاستقرار.
لذلك تندرج دعوته المنسّقة مع رئيسي الجمهورية والحكومة لمؤتمر للقوى السياسية بعد أسبوع في قصر بعبدا في إطار الوطني الطارئ.
هناك مؤشرات على طابعها الاستراتيجي تبتدئ من التنسيق بين الرؤساء الثلاثة ومكان انعقاد المؤتمر في القصر الجمهوري وشمول الدعوة كل القوى السياسية من دون استثناء. فالقياس اذاً وطني ويستلزم لمعات «الأستاذ» وقدراته على اكتشاف «المشترك القليل» بين قوى سياسية تختلف أحياناً حتى على لون الذبابة، لكنه يعرف ايضاً ان هذه القوى في الموالاة والمعارضة، تشكل النظام السياسي اللبناني، فلا تخرج عن حدوده، وتبذل جهداً كبيراً للسيطرة عليه باستعمال سلسلة قوى تمتد من الأحياء اللبنانية الداخلية وحتى البيت الأبيض وبوتين وطهران والاليزيه.
هذا هو لبنان الذي يفهمه «الأستاذ» جيداً مشكلاً بالضرورة جزءاً شديد النباهة فيه.
ماذا في حوزة مؤتمر الخامس والعشرين من الحالي؟ يتقاطع هذا المؤتمر مع اشتداد حدّة الفوضى الداخلية المتداخلة مع تسلل على خطها من قوى سياسية تعتقد عن خطأ أنها تؤذي بذلك منافسيها في القوى السياسية الأخرى، لكنها لا تؤذي الا النظام السياسي الذي تنتمي اليه.
كما يتواكب مع دخول «قانون قيصر الأميركي» اطار التشغيل بما يركز بعقوباته على سورية، راشقاً لبنان بسلسلة قرارات اقتصادية تؤدي فوراً الى الخنق.
كذلك فإن الخلافات بين القوى السياسية في ميادينها المذهبية والطائفية والسياسية، تضع اللبنانيين في مواجهة بعضهم بعضاً في وقت يجب أن يكونوا فيه الكتف على الكتف للتصدي للمخاطر الاقتصادية والوطنية.
يتبقى الخطر الإسرائيلي الداهم الذي يتحيّن فرصاً سانحة للاعتداء على لبنان أو الدخول إليه من طريق إثارة فتن داخلية تؤدي الى حروب اهلية.
إن هذا المؤتمر محاولة عونية – برية – ديابية لقطع الاتصال بين «الأحياء السياسية والخارج» او التخفيف منها قدر الإمكان وإيقاع مصالحات فعلية بين القوى السياسية او إرجاء الأشد ايذاء منها.
هذه الفكرة بدأت عملياً بنجاح الرئيس بري في عقد هدنة واعدة بين الوزيرين جنبلاط وارسلان وكل من يلوذ بهما في طائفة الموحدين الدروز من سياسي ومدني وديني، وهي قابلة للتطور بعد إجراءات قانونية قيد الإعداد يتنازل فيها الطرفان الدرزيان الكبيران عن بعض الاتهامات.
وتواكبت ايضاً مع استقباله لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري التي تعني تنفيس التشنج المذهبي الذي يواصل الضخ فيه فريق سياسي كبير من حزب المستقبل والريفي والمشنوق.
ما هي أهداف مؤتمر بعبدا؟
يريد في المنطلق إجراء مصالحة سياسية بين القوى المشتبكة داخل مذاهبها وبين المذاهب عامة على قاعدة أن المرحلة لها طابع خارجي وغير مرتبط بالنزاعات الداخلية، بمعنى ان الدولة هي المهددة الى حدود تصديع الكيان نفسه على التحمل، خصوصاً في حالة تورطه كما يحدث الآن، في تحريض الداخل على الداخل. فهذا يؤدي الى تدمير البلاد من دون تمكن القوى المتسللة من تحقيق أهدافها.
هنا يراهن الكثيرون على أن وقف دعم بعض أحزاب السلطة للفوضى كفيل بضبطها والانطلاق نحو العمل السياسي والاقتصادي، وجوهره عنصران مترابطان هما الانهيار الاقتصادي و»قيصر» اللذان يتطلبان نقاشاً وطنياً عميقاً يصل الى حدود مناقشة المستلزمات الاستراتيجية التي يحتاجها لبنان، انطلاقاً من الالتزام الكامل بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة.
وهذا الأمر لن يرضي أصحاب قيصر الذين يريدون دعم الدولة اللبنانية ضد اللبنانيين ومنهم حزب الله… لا بأس من التذكير بالشروط الأميركية الدائمة المصرة على اعطاء «اسرائيل» ما تريده من الغاز اللبناني وتطوير أعمال اليونيفيل داخل القرى المحاذية للحدود وإقفال الحدود مع سورية. وهي من جنس الأوامر الذي تدمّر لبنان من دون أن تفيده بأي شيء.
للتنبيه فإن هذا المؤتمر لا يرمي الى إقناع القوى اللبنانية بفوائد العلاقات مع الدولة السورية بل يهدف الى افهام الجميع الى ان لبنان السياسي هو الاقتصادي. وهذا الأخير لا هواء له ولا منافع إلا من خلال الحدود السورية. أما اذا كان لدى بعض قوى الداخل حلولاً أخرى فليتقدم بها شريطة عدم خرقها للميثاق الوطني ومحافظتها على مصادر قوة لبنان.
ان «قيصر» هو آلية أميركية أخيرة لضرب سورية ووضع لبنان في خدمة العدو الإسرائيلي وإفقار اللبنانيين، وفي كل الاحتمالات باستثناء أن يتوصل مؤتمر بعبدا الى تحديد مصلحة اللبنانيين ولو لمرة وحيدة على اساس توفير عناصر الاستمرار الاقتصادي من بلدان كثيرة في العالم.
الا تبدو اقتراحات أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله منطقية عندما يقدم معلومات أكيدة عن عروض صينية بتلبية حاجات لبنان بقروض آجلة او باستعداد إيران توفير كل احتياجاته من الوقود ومشتقاته بالعملة اللبنانية – هل يقبل الأميركيون بيعنا سلعاً بالليرة الوطنية؟
لا سيما أنها قادرة على توزيع هذه الأموال اللبنانية على آلياتها الداخلية التي قد يفضل القبض بالدولار؟ وهنا تكمن المشكلة!
للإشارة أيضاً فإن توصل قوى بعبدا الى تأمين المستلزمات الاقتصادية يمنع تفاقم الفوضى داعماً الاستقرار السياسي وبالتالي الوطني، في مرحلة إقليمية غامضة، بالإضافة الى ان التقارب بين القوى اللبنانية، يقفل الباب على مصراعيه أمام التدخلات الإسرائيلية والخليجية والأميركية، وأي نوع آخر من الاختراقات الإقليمية هذا اذا كانت موجودة.
مع التأكيد على أن حزب الله ليس اختراقاً إقليمياً وكذلك رئيس المجلس نبيه بري الذي يشكل الضمانة الوطنية الكبرى لمنع الانزلاق نحو الهاوية.
فهل هذا ممكن؟ إن مؤتمر بعبدا ذاهب نحو تشكيل حلف كبير مع بعض الاستثناءات الكتائبية وربما القواتية التي قد تتحالف مع أشرف ريفي غير المدعو اصلاً الى المؤتمر والمخابرات التركية، للاستمرار في إثارة الفوضى.
لكن الحلف الكبير المتوقع بزوغه، يستطيع خنق ألاعيب صغيرة ليست أكثر من زوبعة في فنجان صغير من القهوة، على وقع صراخ سامي الجميل وتشبيح المشنوق وحزن أشرف ريفي.