أخيرة

غيض من فيض…!

 

} لواء العريضي

توالى عبر التاريخ عدد كبير من المفكرين والفلاسفة والعلماء قدّموا للبشرية ما يلزم استمرارها لأطول فترة ممكنة. أتت تقديماتهم بشكلٍ تراكميّ، فمن أتى في زمنٍ لاحقٍ يبني ويزيد ويطوّر على ما سبق، حتى باتت المفاهيم الإنسانية والعلمية واضحة وبمتناول الجميع، وأصبح الحق ومعاييره ساطعة كالشمس.

كلّ هذا كلام! لأنّ في وطني من هو أفهم وأذكى وأشدّ معرفةً من تراكم ستة آلاف عام من العلوم على شتى أنواعها. ومن يحلّل ويستنتج في الدقائق الأولى من أيّ حدث، ومن يرمي الاتهامات ويصطاد في الماء العكر ويهدر الدماء. في وطني من يضع فلسفة من نسج الخيال ويستنتجج حلولاً اجتماعية على مستوى وطن وليدة الأهواء الشخصية منمّقةً بإعلامٍ موجّه، وبإصرارٍ رهيب، دون الاستناد إلى الواقع أو أدنى معرفة بالتاريخ الحديث والقديم. في وطني ذاكرةٌ تَمسحُ نفسها كلّ أسبوع. فيأتي أيّ حدث يُنسي الناس الأحداث المتراكمة ويغضّون النظر عن الأسباب ويكتفون بالمشاعر الآنيّة الفانية. في وطني قلّ العلم وكَثُرَ مُدَّعوه، في وطني قلَّت الثقافة وكَثُرَت السخافة، في وطني قلّ الذكاء وكَثُرت التفاهة، في وطني أصبح الحقّ زيفاً والباطل صواباً.

علينا ألّا ننسى أنّ ورقة رقيقة تحجب نور الشمس، وغيمة سوداء تسرق حرارتها، وعاصفة هوجاء تنسينا وجودها لأيامٍ عديدةٍ. هكذا هي الأفكار السامة في وطني. في بساطة مكرها تَشدّ العقول وتصوّب اهتمامها نحو التفاصيل الشيطانية حاجبةً عنها الحقيقة.

أوراقٌ تافهةٌ ضمن غيمة طائفية وسط عاصفة غربية صهيونية أفقدتنا الذاكرة كليّاً، فضللنا طريق الحرية والمحبة. وكلّ من يذكر هذا الطريق اليوم فهو إمّا كافرٍ أو مجنونٍ سقط من القطار. باتت البوصلة كاذبة والنجم الشمال تآمر والشمس مصدر إزعاج بنظر التائهين. يكفيهم سراب الأمل وجرعات بسيطة من الماء دون شقاء الوصول للأرض الخصبة. أرادوا البقاء في شقائهم الأبدي منتظرين مخلّص من طراز الأساطير والآخرة الدينية. إنّ ابتلاء بني لوط بالمعاصي ما هو إلّا غيض من فيض أزمتنا الأخلاقية والاجتماعية التي نرى نتائجها اليوم في الاقتصاد والسياسة والتخبّط الخبيثما عاد أبناء وطني يؤمنون بأنفسهم، ولا يصدّقون أنّ الخلاص يكمن داخل كلّ فردٍ «إذا شاء».

أثبت هذا الزمن أنه من الصعب إقناع قوم حُكموا بالذلّ أنّ الذلَّ زائل وهم الباقون متى قرّروا ذلك. فبين فلسفة تنتظر ورقة «لوتو» أو «فيزا» في السلم واستعمار وانتداب في الصعاب، والإصرار على إشراك الغير بمصائبنا، تشذّ فكرة الإباء عن الإرادة بالإصلاح وتصبح الفوضى الضوضاء متراس الفتنة والمكر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى