مقالات وآراء

41 عاماً على انتفاضة القطيف والاحساء..

حكاية شعب ثار ضد الظلم والاستبداد

 

} سناء ابراهيم

لا تولد الثورات من العدم، ولا تنبثق إلا عن أسس راسخة في الأنفس الناشئة على مفاهيم وقواعد أساسية منهجها الحق بكلّ تفاصيله، ولذلك، كانت انتفاضة القطيف والأحساء في تشرين الثاني 1979 بوجه المعاناة والظلم والطغيان.

قبل 41 عاماً، كتب أهالي القطيف والأحساء حروف الثورة والانتفاضة، فكانوا علامة فارقة في هذه البقعة الجغرافية اللامعة بثرواتها وخيراتها وأبنائها، قارعوا نظام آل سعود بكلّ استبداده وسطوته وقمعه، وهو النظام الذي تسّلط على أرض الجزيرة منذ أكثر من قرن من الزمن على شاكلة قيامه وبسط سطوته ونفوذه، أنه حكم يتدحرج على أجساد الضحايا ويصبغ مستقبل استبداده بالدم والجريمة.

ليلة 25 تشرين الثاني 1979، انطلقت شرارة الانتفاضة، حين قرار الأهالي كسر الحظر المفروض على إحياء مراسم عاشوراء خارج المآتم والحسينيات وخرجوا في تظاهرات سيّارة تجوب شوارع البلدات. وكان من بين الخطباء الشيخ حسن الصفار والسيد مرتضى القزويني وخطباء آخرون، وقد اتخذت التظاهرات، منحى سياسياً. لكن السلطات تعمّدت مواجهة الكلمة بالرصاص، حيث دفعت بجنود الحرس الوطني بقيادة الأمير عبدالله بن عبد العزيز (الملك لاحقاً) إلى الساحات والشوارع لقمع المتظاهرين بوحشية، فوقعت صدامات في شوارع القطيف الرئيسة، بين قوات القمع المزوّدة بالهراوات والرشاشات وقنابل الغاز، وبين الشعب الأعزل الذي لا يملك سلاحاً سوى إرادة التحدّي والتوق للكرامة والحرية.

في اليوم التالي وصل عدد المنتفضين في أنحاء شوارع بلدات وقرى القطيف والأحساء، إلى نحو 70 ألف مواطن، من رجال ونساء ومن كافة الفئات العمرية، غير أنّ النظام منح قواته حقّ استخدام كلّ الوسائل المتاحة، فدفع بمئات الجنود المدجّجين بالسلاح إلى الساحات لمواجهة الأهالي وبدأ الرصاص الحي ينهمر من كلّ الاتجاهات وفي كلّ المناطق، وبعدها بأيام ارتوت أرض القطيف والأحساء من دماء أبنائها الذين ارتقوا على مذبح الحرية والمطالب المشروعة.

مع استمرار مشهد التحشيد والمسيرات، وتوافد الأهالي إلى شوارع المدينة، عزّزت السلطة عديد قواتها العسكرية واستقدمت التعزيزات ونصبت المدافع وحشدت العسكر، خاصة في مدينة سيهات، لتردّ بالمدافع والرصاص الحي على صوت المتظاهرين الهادر بشعارات الانتفاضة والمطالب.

خمسة أيام المسيرات الشعبية، تواجه بالقمع والرصاص الحي، حيث أصيب الثائر حسن القلاّف، وارتقى أول شهيد للانتفاضة، ومن ثم تصاعد عنف السلطة فحصد 5 شهداء، التحقوا بركب الشهيد القلاّف، وكان في مقدّمتهم الشاب سعيد عيسى مدن القصاب (20 عاماً)، كما استشهد الفتى بسّام السادة (18 عاماً) وسقط عدد كبير من الجرحى. وقد شيّع الشهداء في مواكب حاشدة، وتصاعدت الانتفاضة، غير انّ قوات النظام فجّرت نزيف الدم بأسلحتها الرشاشة، استعانت بالمروحيات وتمترس جنودها في أبراج عالية كمباني خزانات الماء وأسطح العمارات ومنائر المساجد وراحوا يطلقون رصاصهم الغادر على الناس في الشوارع وفي منازلهم، فسُجل ارتقاء أكثر من 23 شهيداً، وجرح 800 آخرين، فيما تمّ احصاء 2000 حالة اعتقال.

لم تغب وسائل الإعلام عن الانتفاضة التي شكلت مشروع إصلاح سياسي تأسيسي، حمل بمضامينه الكثير من المطالب التي تحوّلت إلى شعارات ثابتة في تظاهرات المنطقة. ومنها المطالبة بالكفّ عن سياسة الطغيان والحرمان، والتمييز الطائفي.

كذلك، كانت المنشورات الثورية، وسيلة إعلام وإخبار وتواصل، بعد حظر السلطات للتجوّل، ومنع الهتافات والتظاهرات والانقضاض عليها، وقطع شبكة الهاتف السلكي (الأرضي). وتضمّنت المناشير الخطوات والبرامج والأنشطة المتلاحقة لاستكمال الثورة، في وقت عاشت المنطقة حالة من التعتيم الإعلامي، أنكرت خلاله السلطات حصول ثورة في الأحساء والقطيف، وانهالت بادّعاءاتها الكاذبة للحفاظ على قوّتها أمام العالم، وأفرزت بطشاً لم يكن له مثيل.

تميّزت الانتفاضة بالدور اللامع للمرأة، فكانت نساء القطيف والأحساء أسس وأعمدة هذه الانتفاضة. لقد لعبت المرأة دوراً قيادياً بارزاً، وسجلت بحروف الدم استشهاد أول امرأة في الانتفاضة وهي السيدة فاطمة غريب. وبالدم الثائر وعلى أوتار الحرية، ومع تصاعد بريق الثورة وارتفاع وقع التحركات على الأرض، شكلت النسوة عصب وعضد الثورة، وأثارت مشاركتهنّ الانتباه في ظلّ بروز دورهنّ داخل المجتمع، لا سيما في إيواء الشباب المطارَد وإسعاف الجرحى ومداواتهم، ما تسبّب باعتقال العشرات منهنّ، كما تعرّضت كثيرات منهنّ للإصابات بالرصاص الحي.

الانتفاضة المجيدة، وبعد أكثر من 4 عقود، خطت نهضتها الكلمة والقوة والعزيمة التي جعلت من هذه المنطقة أنموذجاً للتضحية والفداء والمقاومة، وشكلت المنطقة مصدر أرق وقلق للنظام الذي علم وتيقن أنه لا يستطيع كسر عزيمة شعب يبذل الدم فداء للكرامة والعزة والإباء. شعب ترجم تمسكه بمبادئه رغم الاضطهاد والاعتقالات والتقييد والبطش بقوة السلاح، ورغم سياسات التصعيد الممنهجة بالقمع والاستبداد.

اليوم، وبعد 41 عاماً على انتفاضة منطقة شكلت علامة فارقة في الجزيرة العربية، فإن اهالي هذه المنطقة لا يزالوان على عهد مقاومة الظلم والاستبداد، عبر الحراك الميداني والنشاط السياسي والحقوقي والإعلامي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى