مقالات وآراء

معادلة الحكام نكاية بالشعب…
حراك الشارع يقابله ارتفاع الدولار

 علي بدر الدين

يُحكى أنّ رجلاً مرّ أمام بئر ماء، فوجد اعرابياً ومعه بعير حمولته كبيرة جداً، فدفعه فضوله ليسأله عن محتواها، فأجابه الإعرابي، كيس يحتوي على مؤونة، وفي المقابل كيس من التراب ليستقيم الوزن في الجهتين. سأله الرجل، لماذا لا تستغني عن كيس التراب، وتقسم كيس المؤونة إلى نصفين متساويين وتخفف من ثقل الحمولة على البعير؟

فقال له الإعرابي، صدقت، وفعل ما طلب منه، ثم سأله، هل أنت شيخ قبيلة أم شيخ دين؟ ردّ الرجل، لا هذا ولا ذاك، بل رجل من عامة الناس، فانتفض الاعرابي وقال له بحدة: قبّحك الله، لا هذا ولا ذاك وتشير عليّ! نكاية فيك سأعيد حمولة البعير كما كانت، وهذا ما حصل.

هكذا تتعاطى الطبقة السياسية والمالية والسلطوية الحاكمة بين بعضها ومع الشعب، الذي أيضاً لا يستمع إلى الأصوات الحرة المستقلة التي تحرص فعلاً على مصالحه وحقوقه وحريته، لأنه يعتقد، أو هكذا نشأ وترعرع، وسرى في عقله وشرايينه، أنّ كلمة شيخ القبيلة سياسياً كان أو دينياً أو حاكماً أو سلطوياً ومالياً هي المسموعة، ولها الطاعة ولو أدّت به إلى الجحيم وجهنم وبئس المصير.

ما يعانيه اللبنانيون منذ عقود سببه ذوبانهم في نفاق السياسيين وخداعهم وكذب وعودهم، والارتماء في أحضانهم والارتهان الكلي لهم «على العمياني»، ولأنهم أداروا أذنهم الطرشاء عن قصد وغباء للآراء والأفكار الصائبة والوطنية، و»شنفوها» لأصحاب الألقاب العالية والفضفاضة، دونما تفكير أو تدبير، لاعتقادهم، أنّ كلّ ما يقولونه صحيح ومقدّس ويُعتدّ به، والالتزام به واجب شرعي ووطني، ورفضه يعني الوقوع بالخطأ، بل الخطيئة الكبرى، والنتيجة كانت ضياع الشعب وتفقيره وتجويعه ومرضه وتهجيره. وحصده الكوارث والمآسي والآلام، لأنّ زرعه كان في غير موضعه، وفي أرض غير صالحة، وغير مؤاتية، لإنتاج مواسم الخير والبناء والإنماء والإنتاج الجيّد الذي يعوّل عليه لقيامة وطن وبناء دولة ومؤسسات، وحفظ حقوق شعب «طيب الأعراق».

ما حصل بالأمس، وما يحصل اليوم على صعيد تأليف الحكومة، هو امتداد فعلي لسياسة كيدية الاعرابي ونكايته بأفكار الرجل الطيب الحكيم، الذي أراد الخير للرجل وبعيره، وقد رفض كلياً رأيه الصائب، لأنه من عامة الناس، ولا يحمل لقباً، هكذا تتعاطى الطبقة السياسية، مع عملية التأليف حيث ترفض كلّ المبادرات والاقتراحات والأفكار المطروحة من دول وقوى وشخصيات، رغم جدّيتها وصلاحيتها وإمكانية فتحها لثغرات تعرقل عملية التأليف، ورفضها لأيّ رأي أو فكرة من خارج منظومتها السياسية الطائفية العاجزة عن فعل أيّ شيء، واتخاذ أيّ قرار، لأنها تتعاطى بفوقية مع بعضها، وبنكاية ببعضها، وتختلق صراعات وإشكاليات وهمية للهروب من المسؤولية ولإلهاء الناس وإلقاء تبعية فشلها على الآخرين.

يبدو من خلال الواقع السياسي والطائفي والمذهبي والسلطوي، أنّ معظم اصول الطبقة السياسية الحاكمة وفروعها انكفأت، وتركت الساحة لشخصيات الصف الثاني، لتقوم بتصفية الحسابات وتوجيه الرسائل، بعد أن احتلّ قصرا بعبدا وبيت الوسط، وتيارا الوطني الحر والمستقبل، والمستشاران أنطوان قسطنطين وحسين الوجه المشهد السياسي العام، مع تدخلات الرئيس المكلف ورئيس التيار الوطني الحر إذا اقتضت الضرورة وارتفع منسوب الخطاب الطائفي والحكومي والاتهامات الكبيرة، يعني بكلّ بساطة، أسدلت الستارة على هذا الصراع الجانبي، بعد أن تمثل الجميع، بنيرون الذي أحرق روما، واستمتع من علو على مشهد الحرائق التي أحرقت اليابس والأخضر وخرّبت ودمّرت وقتلت. هو تماماً ما يشاهده اللبنانيون ويكتوون بناره ويختنقون بدخانه، وبتعطيل ما تبقّى لهم من أعمال، بفعل قطع الطرق الداخلية والرئيسية، في غياب كلي لقوى السلطة السياسية، الذين «أكلوا البيضة وقشرتها»، وهم اليوم لا عمل لهم ولا موقف ولا قرار ولا سلطة ولا مسؤولية، سوى مراقبة لعبة «شدّ الحبال» بين الرئيسين والتيارين، ولمن ستكون الغلبة، مع أنهم يعرفون جيداً أنّ المغلوب واحد وهو الشعب، الساكت على الفقر والجوع والظلم، الرافض للدفاع عن حقوقه وكرامته ولقمة عيشه. ربما لأنه، لا يريد أن يعطي الطبقة السياسية والمالية الحاكمة، فرصة إضافية لممارسة هوايتها بالكيدية والنكاية، على قاعدة كلما تحرك الناس على قلتهم في الشارع احتجاجاً على رفع سعر صرف الدولار، وهبوط العملة الوطنية، كلما ارتفع سعر الدولار مقابل الليرة!

النزول إلى الشارع وقطع الطرق وإشعال الإطارات، لغاية اليوم أعطى نتائج سلبية إن على مستوى تفاقم الغلاء، او ارتفاع سعر الدولار، أو تعقيد تأليف الحكومة، أو فقدان المزيد من السلع والمواد الغذائية، المدعوم منها خاصة، ومن تداعياتها وقوع البعض من الشعب في فخ المنظومة السياسية المنصوص له، «لافتعال معارك جانبية بين المواطنين، من اجل الحصول على «كيس أو تنكة» حليب او «غالون» زيت أو رابطة خبز، والآتي أعظم

لا عجب ولا غرابة إن تعارك بعض الشعب اللبناني العظيم للحصول على سلعة ما، الذي على ما يبدو انها مقدمات «بروفات» لما هو آت ومنتظر، لأنّ مروحة اختفاء السلع ستتوسّع دائرتها، وقد تؤدّي إلى حروب، سبق للبنانيين ان خاضوها وقتلوا بعضهم وتشرّدوا وتعوّقوا ودمّروا وخرّبوا، وكلّ ما اقترفوه بحق الوطن وأنفسهم، أنتج هذه الطبقة السياسية، التي تواصل سحقها لهم، وتفقيرهم وتجويعهم، ودفعهم عنوة او باللين والسياسات الماكرة إلى الحروب مجدّداً، ويبدو أنّ البعض يتحضّر ويستعدّ لها، من خلال شعارات وعناوين لا هدف لها ومنها، سوى سلوك هذا الطريق المجرّب والمكلف كثيراً قتلاً وتدميراً وخراباً ومصير وطن وشعب.

الشارع المنتفض بطريقة تقليدية مجرّبة، لا نتيجة إيجابية منها، ولا فائدة مرجوّة، لأنّ نتائجها كانت ولا تزال سلبية على الناس، وإيجابية على الحكام غير الآبهين بما يحصل، وكأنه لا يعنيهم الأمر «وبطيخ يكسّر بعضه»، وبات من الضرورة تغيير في طريقة الحراك، وسلوك خطة توجع السياسيين، وتفرض عليهم التراجع عن فسادهم وتحاصصهم، ونهبهم للمال العام والخاص.

 آن الأوان لسماع صوت الأحرار والحرصاء على البلد وأهله، وهم كثر، وكفى سماع أصوات الذين يدّعون القداسة والحرص والصدق، وهم العلة والبلاء والوباء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى