الوطن

صراع الحريري ونادي رؤساء الحكومات على السعوديّة؟

} د. وفيق إبراهيم

رئيس الحكومة السابق سعد الحريري يسعى لإرضاء الفرنسيين والأميركيين مخترعاً اقتراحاً بتوزير شيعي لوزارة المالية إنما لمرة واحدة فقط، وبشكل يسحب منها ميثاقيتها التي يصرّ عليها حلف حزب اللهحركة أمل.

اما حلفاؤه الثلاثة في نادي رؤساء الحكومة السابقين وهم فؤاد السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي، فاعتبروا في تصريح لهم أن موقف الحريري خاص به ولا يعنيهم، وذلك في موقف يقترب من رفضهم له.

هل هناك مرجع يفصل بين الفريقين المذكورين؟ نعم إنها السعودية التي تمسك بالقرار السياسي السني في لبنان منذ تسلم الراحل رفيق الحريري لرئاسات الحكومات المتعاقبة بين 1990 و2005 وورثته المتجسدين في ابنه سعد والسنيورة وتمام سلام والميقاتي ونجله الأكبر بهاء المتوثب لأداء دور لبناني.

ماذا يقول السعوديون؟

انتصر الملك سلمان للخط الأميركي الذي يريد تدمير إيران لأنها تكاد تحتل العالم؟ وتعمم الإرهاب في كل مكان، ما أتاح للملك السعودي تركيز استهداف كبير لإيران التي تريد نشر «شيعيّتها» في اليمن والعراق وسورية ولبنان والخليج وتدعم إرهابييها. وهنا ركز سلمان على حزب الله موجهاً هجوماً حاداً دعا فيه العالم بأسره الى تجريد حزب الله من سلاحه وضربه لأنه إرهابي، مضيفاً أن لا قائمة للبنان إلا بعد إلغاء الحزب الإرهابي، كما وصفه.

هذا الموقف الحاد يضع القوى اللبنانية الموالية للسعودية، خصوصاً الفريق السني في دائرة المحاسبة السعودية. فالقريب من هذا الموقف يتمتع بالرعاية السعودية السياسية والمالية والدينية، فيما يجد الرافض لها نفسه معزولاً.

لذلك يبدو نادي رؤساء الحكومات السابقين أقرب القوى السنية الى التصعيد السعودي ومعه أشرف ريفي والمشنوق ودار الإفتاء. وداعش والنصرة وهيئة تحرير الشام. فهؤلاء ذاهبون الى التماهي الكامل مع التصعيد السعودي.

لجهة سعد الحريري فلا شك في أنه نادم على إطلاقه مشروع حل لوزارة المالية أي تعيين شيعيّ مستقلّ يختاره الرئيس المكلف أديب ولمرة واحدة.

كيف يمكن لسعد أن يلتحق بالموقف التصعيدي السعوديّ من دون سحب اقتراحه الأخير من التداول؟

لا بدّ للشيخ سعد أن يطلق أكثر من تصريح إعلامي مخادع حول استقلالية الوزير الشيعي في وزارة المالية وابتعاده الكامل عن حركة أمل وحزب الله، بذلك قد يرضي السياسة السعودية نسبياً ويضيف بأنه لمرة واحدة ما يدفع الثنائي الشيعي الى رفض اقتراحه. ويتعمّد التأكيد على دوره الأساسي في تشكيل الحكومة المرتقبة. وهذا يؤذي مكانة رئاسة الجمهورية دستورياً وطائفياً.

هذا ما حدث بالفعل بصدور بيان من الرئيس ميشال عون أكد فيه أن رئاسة الجمهورية شريك كامل في إنتاج الحكومات ولا يمكن تجاوزها أو تجاهلها.

فيكون سعد باقتراحه الأخير دافعاً ومؤسساً لرفض شيعي من جهة ورئاسي وماروني من جهة ثانية، فتعود العلاقات بين القوى السياسية إلى حالة من الاحتراب الشديد تنعكس على الشارع على شكل مواجهات غير قابلة للتأجج لأن فريق حزب اللهامل لا يريدها ويعمل على إجهاضها.

فيتبين أن القوى اللبنانية الموالية للسعودية تتصارع لكسب ود الملك سلمان وابنه محمد بشكل لا تعير فيه أي انتباه لمدى حراجة الوضع اللبناني وخطورته.

لذلك، فإن الساحة اللبنانية يتحكم فيها حالياً مشروع أميركي سعودي يدفع في اتجاه السيطرة على حكومة لبنانية مرتقبة لا تضمّ القوى الرافضة للتطبيع مع العدو الإسرائيلي. بما يفسّر أسباب هذا الاستهداف السعودي المركز على دور حزب الله في قتال «اسرائيل» والإرهاب.

هل يمكن للمراقب أن يفترض انبثاق موقف سني رافض لهذا التصعيد السعودي؟

إن القوى الشعبية السنية، خصوصاً ذات البعد التاريخي ترفض أي تقارب مع «اسرائيل» وتشجع على محاربته، لكن الكلام هنا يتركز على فريق الحريرية السياسية ومتفرّعاتها، ويستثني أيضاً فريقاً كبيراً من النواب السنة المستقلين الذين يرفضون هذا الانهيار الوطني والقومي في صفوف رؤساء الحكومات السابقين والحريرية السياسية بكامل تنوّعاتها.

يتبين بالنتيجة ان لبنان ذاهب الى أشكال مختلفة من تصعيد سياسي واقتصادي واجتماعي يرعاه المحور الأميركي السعودي الذي يضع لبنان بين اقتراحين: اما الانهيار الاقتصادي الكامل او حكومة موالية لهذا المحور تعمل على تجريد حزب الله من سلاحه وإلغاء دوره اللبناني في وجه «إسرائيل» المحتلة، وخارجي في وجه الإرهاب المهدّد للمنطقة عموماً ولبنان خصوصاً.

لكن ما يدعو الى التنبه الشديد هو احتمال انعكاس الخلافات بين القوى السنية الى معارك بين أنصارها، او مشاريع حروب مع مذاهب وطوائف أخرى، لن تؤدي إلا الى انتاج مهزوم واحد هو الاستقرار اللبناني، وبالتالي الكيان السياسي وفقاً لمشروع كيسنجر الذي كان يعتبر لبنان فائضاً تاريخياً لا لزوم له.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى