أولى

الأولويات المقلوبة

تعرّف اللبنانيون خلال العام الماضي وعلى إيقاع الانتفاضة الشعبية على النموذج الذي يتم عبره تصنيع أولويات جاذبة تستند الى مطالب محقة، لكنها تتوزع بين عناوين تهدف لحرف الأنظار عن الأولويات الحقيقيّة، أو عناوين غير قابلة للتحقيق تستنزف طاقات الناس وتأخذهم إلى اليأس، أو عناوين تُخفي وراءها ما هو خطير.

تقدّمت دعوات الإصلاح ومكافحة الفساد على ما عداها، والأمر في عمقه مشروط بتغيير سياسي يطال التنظيم الطائفي للدولة والمجتمع وما يرتبط به من محميات ومحاصصات يشكل المساس بها تهديداً للسلم الأهلي، ومعها تقدّمت دعوات اللامركزية والفدرالية التي تخفي وراءها مشروع ترسيخ العصبية الطائفية كأساس سياسي للتقسيم وما يبشر به من مشاريع حروب أهلية لا تعرف العصبيات طريقاً لتفاديها، ولم يطل الوقت حتى ظهرت دعوات تربط كل اصلاح وكل تقدم بطرح سلاح المقاومة كموضع للبحث وتحميله مسؤولية الأزمات بصورة لا تحتاج كثيراً لتظهير ارتباطها بطلبات أجنبية مشبوهة.

أولويات اللبنانيين بسيطة وظاهرة، في وضع معيشي قاتل، وفقدان الودائع، وغياب الدواء وتفشي كورونا، ودمار وخراب ما بعد تفجير المرفأ، وهي أولويات تحمّل مؤسسات الدولة لمسؤولياتها في مناحي حياتهم التي يستحيل انتظامها من دون مؤسسات الدولة. والأصل هنا هو حكومة جديدة، يتقدّم مبدأ وجودها على تفاصيلها، اختصاصيين ومستقلين أم سياسيين، بمداورة أو بدونها، المهم هو حكومة ومن بعد وجودها، متابعتها وملاحقتها في الشارع وفي الإعلام وحيث يمكن تحميلها مسؤولية مواجهة هموم الناس.

بعد وجود حكومة يصير مكان للحديث عن الدفع بالإصلاح، وعن قانون انتخاب، وعن حلول مالية وخدميّة، وحتى ذلك الحين الأولويّة الأولى هي وجود حكومة وما عداها أولويات مقلوبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى