الوطن

التطبيع الخليجي مع «إسرائيل» وفق المقاربة الإيرانية

 د. حسن مرهج

تطورات متسارعة نظمتها حركة التطبيع المستجدة ما بين «إسرائيل» ودول الخليج، إذ تعدّ هذه الاتفاقيات تحوّلاً استراتيجياً عميقاً في المنطقة، خاصة أنه في عمق التطورات الجديدة، من الواضح أنّ التطبيع يقوم في جوهره على تطبيع وجود «إسرائيل» وتقبل دورها في المنطقة، وجعلها محور رحاها أمنياً وسياسياً واقتصادياً، فالاتفاقيات الجديدة تهندس في حقيقة الأمر لحالة وعي جديدة لدى شعوب المنطقة، ومحاولة تشكيل ثقافة تسمح باندماج «إسرائيل» وبطريقة عملياتية في الشرق الأوسط، لكن في المقابل وعلى الرغم من وضوح جوهر التطبيع، إلا أنّ ذلك لا يقدّم جديداً للقضية الفلسطينية، حيث أنّ التخلي الرسمي العربي عن القضية الفلسطينية كما اتضح في رفض جامعة الدول العربية إدانة التطبيع الإماراتي والبحريني مع «إسرائيل» وخروجها على «المبادرة العربية للسلام»، الا أنّ الاعتماد بات كلياً الآن على الشعب الفلسطيني وصلابة إرادته في المقاومة، وفي جانب أخر فإنّ المقاربة الإيرانية أيضاً تسير في سياق مضاد للتوجهات الخليجية الإسرائيلية حيال قضايا المنطقة، وعلى رأسها فلسطين والمقاومة، الأمر الذي يشي ببروز اصطفافات جديدة من شأنها العبث بالتحالفات التقليدية في المنطقة، فضلاً عن اتساع مروحة التوترات الإقليمية، وربما تصل لمرحلة التصادم الجزئي، وفق ما يؤدّي إلى تشكيل معادلات جديدة على المستويات السياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية.

بطبيعة الحال فإنّ الجوهر الجديد للعلاقة «الإسرائيلية» مع دول الخليج، سيؤدّي حكماً الى تشكيل حلف ضدّ إيران، وستكون هناك اصطفافات جديدة لتعزيز الموقف المناهض لإيران مع الدولة اليهودية ومع الولايات المتحدة.

حقيقة لا يمكن تجاهلها، تتمحور في اعتبار إيران هي الخاسر الأكبر في سياق التطبيع الجديد، وذلك بسبب العلاقة الواضحة والمكشوفة بين دول الخليج وأعداء إيران الولايات المتحدة و»إسرائيل»، لكن في وقت سابق فقد تمكّنت الجمهورية الإسلامية من الحفاظ على علاقة عمل مع الإمارات، لكن اليوم فإنّ التطبيع يهدّد هذه العلاقة، ومن المحتمل أيضاً أن يكون البيت الأبيض قد شجع الإمارات والبحرين وغيرهما، الذين قد ينضمّون إلى اتفاقيات «أبراهام»، من خلال وعد حكام الخليج بفرصة شراء أسلحة متطوّرة مثل مقاتلات «أف-35» والطائرات بدون طيار، وقد يتمّ إقناع «إسرائيل»، التي اعترضت على مثل هذه المعاملات حتى في الماضي القريب؛ لأنّ تزويد حلفائها الخليجيين بالمعدات يقلل من عزلتها في المنطقة. ويصبح تعزيز التحالف ضدّ طهران نقطة أخرى لصالح نتنياهو.

كلّ ما سبق يمكن أن يبقى رهناً بالمسار الذي سيتمّ من خلاله ترجمة مخرجات التطبيع، لكن من المؤكد أنّ إحدى أهمّ ثمار التطبيع الخليجي «الإسرائيلي» سينعكس في مجالات متعددة، لا سيما التجارية والاقتصادية، لكن وفي جانب أهمّ فمن المؤكد أنّ دول الخليج و»إسرائيل» سيحاولون الضغط على إيران سياسياً واستفزازها عسكرياً، فضلاً عن نظم معادلات استراتيجية بعيدة المدى.

اللافت أنّ الإدارة الأمريكية أطلقت على هذا المسار الجديد بين الإمارات والبحرين و»إسرائيل» تسمية معاهدات السلام، فيما الإمارات والبحرين لم تخوضا يوماً مواجهة مع «إسرائيل»، وهو ما يدلّ على أنّ الاتفاقين، في المنظور «الإسرائيلي»، يندرجان ضمن الرؤية الإسرائيلية لما يعتبرونه «سلاماً دائماً» في المنطقة، ومن جهة ثانية تطويق إيران بحلف استراتيجي، قد يؤطر توجهاتها في المنطقة، لا سيما حيال القضية الفلسطينية.

تدرك إيران وفق رؤيتها الإستراتيجية، أنّ عزلها وتطويقها هو هدف «إسرائيلي» أميركي خليجي، لكن في المقلب الأخر، فإنّ إيران نجحت وبقوة في اختراق الشرق الاوسط، وإنشاء شبكة علاقات استراتيجية، سيكون من الصعب على أيّ حلف وليد اختراقها أو التأثير على المسار الإيراني في المنطقة، وتدرك طهران أيضاً أنّ السعودية وسلطنة عُمان في طريقهما إلى إنشاء علاقات كاملة مع «إسرائيل»، الأمر الذي سيدفع إيران إلى إعادة مقاربتها لهذا الواقع، ومراجعة حساباتها وفق نظرية الأولويات الاستراتيجية، لكن من المؤكد أنّ إيران كقوة إقليمية، فإنّ غالبية دول المنطقة تحتاج إلى التنسيق معها في عديد القضايا الإقليمية، وهذه نقطة تحظى بأهمية استثنائية لدى صناع القرار في إيران، فالجمهورية الإسلامية كانت وستبقى الرقم الصعب في جلّ المسارات السياسية والعسكرية في المنطقة.

أسئلة كثيرة تستجدّ بشأن تأثير التحالف الإماراتي البحريني الإسرائيلي على معادلة القوة والنفوذ في الخليج، وتحديدا فيما له صلة بالسياسة الإيرانية في المنطقة على اختلاف مخرجاتها، لكن ما يجهله الكثيرين لجهة أن الإستراتيجية الإيرانية الفذة، لكن تقف مكتوفة الأيدي حيال أيّ محاولات لتطويقها أو عزلها، والقارئ لأدبيات الثورة الإسلامية في إيران، يدرك حقيقة هذا الأمر، ويدرك أيضا بأنّ إيران ستبقى قوة إقليمية لن تخبو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى