ثقافة وفنون

اللغة العربيَّة: توصيف واقع وسبل علاج

} عبد المجيد زراقط*

في اليوم العالمي للُّغة العربية، أودُّ التحدُّث عن مسألتين، من المسائل التي يثيرها واقع اللغة العربية: أولاهما توصيف واقعها ومشكلاته، وثانيتهما اقتراح سبل علاج مشكلات هذا الواقع.

يمكن وصف واقع اللغة العربيّة، في المجتمعات العربية، كما يأتي:

1- لغة التداول في البيت والشارع: تُستخدم، في البيت والشارع، لغة محكيَّة، عامية، ولغة هجينة مزركشة بألفاظ أجنبية.

ومن الطرائف الدَّالَّة أنَّ سيِّدة كانت تتحدَّث، في مجالها، بالفرنسية مباهاة في ذلك، وصودف أن صار لديها خادمة أفريقية تجيد الفرنسية أكثر منها، فتحوَّلت الى التحدُّث بعربية مزركشة بألفاظ أجنبية.

٢–  في الأسواق: تُستخدم اللغة المحكية واللغة الهجينة، وتُكتب اللافتات، في الغالب، سواء كان الاسم أجنبياً أم عربياً، بالأجنبيّة، ففي حيٍّ شعبي، على سبيل المثال، تقرأ، Malhamatte Abou Atteffوقد غضب! صاحب الملحمة، عندما ناداه أحدهم بـ «اَبو اَتيف»، فقال له: هذا ما تعلنه عن نفسك.

3- في التلفزة: يلاحظ في اللغة التي تستخدم، في التلفزة، استخدام مستويات من العامية، وانتشار الألفاظ الأجنبيّة، وخلط الفصحى والعامية، وكثرة الأخطاء النحوية والصرفية والأسلوبية، وان استخدمت الفصحى، تلاحظ رداءة النطق، وعدم العناية بمخارج الحروف، وعدم لفظ الحروف والكلمات كاملة، وتقليد النطق بالحروف والكلمات الأجنببة، ونشر الإعلانات بالأجنبية، وكتابة أسماء بعض البرامج العربية بأحرف أجنبية

٤–  وسائل الاتصال: تستخدم، في الغالب، الأحرف الأجنبية في كتابة الأسماء، وفي أحيان تبدو بعض الأسماء مثيرة للاستهجان، مثل Bouzeih = بوزيه = بزيع. واذ تعجز هذه الأحرف عن تلبية الحاجة تستخدم الأرقام، وكذلك تستخدم اللغة الاجنبية ومصطلحاتها، في التخاطب.

٥–  في المصارف وشركتي الخلوي وباقي المؤسسات…: تستخدم الانكليزية في التدوين والرسائل، واللافت أستخدام الانكليزية في الرسائل الموجّهة الى الزبائن الذين لا يعرفون هذه اللغة، ما يدل على غباء المرسل واستهانته بالمرسل اليه، في الوقت نفسه، والطريف أن بعض المحال التجارية التي تسمِّي نفسها بأسماء أجنبية طنانة، تستخدم اللغة الأجنبية في رسائلها لزبائن لا يعرفون هذه اللغة؛ وهذا إن دل على شيء، فعلى عقدة مركبة من النَّقص والإحساس بالدونية والانبهار بالاَخر والرغبة في التباهي.

٦في المدارس: اللغة العربية الفصحى مهمَّشة في المدارس عموماً، ومقصيَّة في كثير من المدارس الخاصة، والطرق المستخدمة في تعليمها غير مجدية.

٧–  في الجامعة: اللغة الأجنبية هي لغة التعليم الجامعي في الأقسام العلمية التجريبية، وفي بعض أقسام العلوم الإنسانية، في كثير من الجامعات الخاصة، وفي بعض فروع الجامعة اللبنانية.

هذه إشارات تصف واقعاً تواجه فيه الذات العربية فقد هويتها، فعلى المستوى اللغوي، يمكن القول: إنَّ شعباً تُسلب لغته، يفقد هويته وقدرته على الإبداع.

والسؤال الذي يُطرح هنا هو: هل من سبيل للعلاج؟

في الإجابة عن هذا السؤال، يبدو لي أنَّ العلاج يتمثَّل في جعل اللغة العربية الفصحى في المتن المجتمعي، وليس في الهامش، أي جعلها اللغة الوطنية عمليَّاً، واعطائها المرتبة الأولى في الاستخدام على مختلف المستويات.

وهذا يحتاج الى قرار سياسيّ لغويّ، وقد حدث هذا في التاريخ العربي، واتُّخذ قرار حفظ اللغة العربية الفصحى اَنذاك، فلدى تفشِّي ظاهرة اللحن، أي الخطأ اللغوي، واستخدام ألفاظ وتراكيب غير عربية، اتخذ الخليفة الرابع، الإمام علي بن أبي طالب، قراراً سياسياً لغوياً، بوضع علم النحو. والآن نحن بحاجة الى قرار سياسي لغوي، يقضي باصدار قانون يجعل من اللغة العربية اللغة الأولى في الاستخدام على مختلف المستويات في المجتمع، وفرض تطبيق المرسوم رقم 227، تاريخ 8/5/1997، الذي ينص على أن الهدف من المناهج هو «تكوين المواطن الملتزم اللغة العربية لغة وطنية رسمية، والقادر على استخدامها باتقان وفعالية في جميع المجالات». وتُستخدم اللغة العربية الفصحى، في الأقطار العربية، كما تُستخدم اللغة الوطنية، في أي دولة مستقلة ذات سيادة.

من هنا تكون البداية. والمشكلات الأخرى التي تواجه اللغة العربية، يمكن حلُّها، وهي تتمثل في ثلاث مشكلات أولاها مفردات العلوم الحديثة ومصطلحاتها، وثانيتها الازدواجية اللغوية، وثالثتها الضعف اللغوي، في صدد الأمر الأول، يمكن الوضع أو الترجمة أو التعريب. وقد فعل أسلافنا ذلك مراعين شرطين: أولهما الفصاحة، وثانيهما صياغة المصطلح صياغة عربية، فعلى سبيل المثال، أضع مصطلح

« نت» على وزن فعل، فأعطية الجنسيّة العربية، وهذا ما أجازه مجمع اللغة العربية، ومن الضروري في هذا المجال أن يكون هناك مصرف عربي واحد للمصطلحات يضعها ويوحِّدها.

وفي صدد الأمرين الثاني والثالث، العمل على أن تُكتسب اللغة من طريق الممارسة التي تجعلها سليقة، وليس من طريق القواعد، وهذا يقلص المسافة بين الفصحى والعامية. الأمر الذي يقتضي تخصيص حصص كافية للغة العربية في المدارس والجامعات، وجعل مقرَّر اللغة العربية إلزامياً في السنة الأولى، في جميع الكليات والأقسام، في الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة، وجعل علامة اللغة العربية علامة لاغية في جميع المباريات. وتحديث طرق التدريس، وإعداد المدرسين الأكفاء وإعطائهم رواتب توفّر لهم التفرّغ للتدريس والعيش الكريم، فيكون كسب اللغة تعلُّماً وليس تلقيناً، وتوفير كتب المطالعة. والاَن صار ممكناً ايجاد مواقع على «النِّت» تقدِّم أدب أطفال وأدباً تفاعلياً. وقد نطمح الى أن نرى قناة فضائيّة عربيّة مخصَّصة للغة العربية الفصحى وقضاياها، يتولى إدارتها مختصون أكفاء، وتخصص لها ميزانية كافية من القادرين على ذلك.

*أستاذ جامعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى