مرويات قومية

الومضة القصصيَّة والشعريَّة…

} عبدالمجيد زراقط*

تكثر، في هذه الأيَّام، كتابة «الومضة» القصصية والشعرية، على صفحات «الفيس»، ويقوم عدد من كتَّابها بإنشاء مجموعات لها على هذه الوسيلة من التواصل، تنشر نصوصها، وتُجري مسابقات بغية تجويد ما يُكتب من هذا النوع الأدبي الذي نشأ ويتطوَّر، في مسار تطوُّر وسائل الاتصال الجديدة. كما يعمد بعض كتاب «الومضة» إلى جَمع ما يكتبونه في كتب ورقيّة ونشره، ووضعه قيد التداول، مثل كتاب «كنوز القصة الومضة» لمجدي شلبي، و»غربة» لمحمد لقمان.

والملاحظ أنَّ كتابة هذا النوع الأدبيّ غزيرة جداً، ويختلط فيها الجيد بالرديء، كما هي حال الكتابات الجديدة في مختلف أنواع الكتابة؛ وذلك في غياب النقد الموضوعيّ الذي يميِّز النصوص، ويتبين خصائصها.

في سبيل الإسهام في كتابة هذا النقد المواكب لهذه الظاهرة، كانت هذه المقالة التي تهدف الى تحديد مفهوم «الومضة» المستقى من قراءة الكثير من نماذجها الجيّدة، ومن هذه النماذج:

 : « سلوك: أرادته قيساً؛ أرادها ليلة «. «وفاء : رحل عنها؛ لم يرحل منها». « ألفة: حرَّروا الضفدع؛ قفز للمستنقع»، لمحمد لقمان.

 «جميلة: لسعته نظراتها؛ اشتهى العسل». «طُهر: زنت نظراته؛ طهَّرها بدموعه». «حال: للغبار مطر؛ يرمي حجارة في برك الرماد»، لعبد المجيد زراقط. بعد قراءة هذه النماذج، لنجب عن السؤال: ما هي الومضة؟

«الومضة»، لغويَّاً، هي الدَّالُّ على مفهوم هذا النوع الأدبي وخصائصه، فهي «فَعْلَة» من ومض، وومض فعل يعني لمع. و»أومض» يعني أشار إشارة خفيَّة..

يفيد هذا المعنى اللغويّ أنَّ «الومضة» هي لمعة، أو إشارة، أو إيماءة سريعة تلمع/ تبرق لمعان البرق الخاطف، لتفيد إضاءة وكشفاً، يتمثلان في دلالة محتملة تحتاج الى تأويل، كأنها الرمز أو الغمز.

يمكن، في ضوء قراءة هذه النماذج، وبعد معرفة المعنى اللغويّ، أن نصوغ مفهوم الومضة كما يأتي: الومضة هي وحدة لغوية، مجوَّدة، لغتها مكثَّفة، مفاجئة، مدهشة، لا تخلو من مفارقة. وهي أنواع: ومضة قصصيّة، وومضة شعرية، وقصصية شعرية، وحوارية، لا يتجاوز عدد كلماتها عشر كلمات، وقد تقلُّ، فتصل الى كلمتين، مثل: «كُرة: صدُّوه؛ صادهم»، لاعتماد صبح، و»تمرُّد: تسلطن؛ تشيطن»، لخيري الأزغل. وتتألف من عنوان هو كلمة واحدة، اسم نكرة في الغالب، ليس من كلمات المتن، ولا من مشتقاتها، يشير إلى الدلالة إشارة غير مباشرة، ويتألف المتن من شطرين تفصل بينهما قاطعة (؛)، يؤديان معنى كاملاً، تربط بينهما وحدة بنائيّة متماسكة، يُخلُّ أي حذف بالبناء، وتؤدي أي زيادة الى الترهُّل. تشير «الومضة»، أو تومئ، اشارة، أو إيماءة، سريعة تلمع/ تبرق لمعان البرق الخاطف، لتفيد إضاءة وكشفاً، يحتاجان الى تأويل، ما يعني أن دلالتها احتمالية تتيح للمتلقي أن يؤدي دوراً في إنتاج فاعليتها الجماليّة الدلاليّة. فلو قرأنا «الومضة»: «سلوك: أرادته قيساً؛ أرادها ليلة»، للاحظنا أنَّ عدد كلماتها هو خمس كلمات، وأنَّ العنوان اسم نكرة يشير الى نوع من السلوك، وهو سلوك رجل ما مع المرأة، ثم نلاحظ ثنائية قيس / ليلة التي يتمثل فيها تناصٌّ مع قصة الحبيبين العذريّين قيس وليلى المعروفة، لكن المفارقة تتمثل في «ليلة»، التي تشير الى دلالة هي نقيض دلالة قصة الحبّ العذريّة المشهورة، والى ثنائية تضاد تتمثل في تناقض ما تريده المرأة وما يريده الرجل، فهي تريده حبيباً مثل قيس، وهو يريدها لليلة واحدة، ما يفارق ما تريده هي، وما ينبغي أن تكون عليه علاقة الحبيبين، إضافة إلى تشكيل مفارقة أخرى تتمثل في المقارنة بين ما كانه الحب وما صار إليه.

ويعمد بعض الكتاب الى «الصناعة اللغوية»، فيُكتَب، على سبيل المثال، «ومضات» بكلمات معطَّلة حروفها من النقاط، ويسمّيها «الومضة المعطَّلة»، مثل: «وكيل: راكم أمواله؛ أوكل الى الهمِّ أحواله»، لعبد المجيد زراقط. وهذا النوع من الكتابة يُراد منه بيان البراعة اللغوية، وإن تم الاكتفاء بهذه البراعة، والاقتصار عليها، يُخشى أن تغدو هذه الكتابة «لعباً» لغوياً فحسب، فيحدث لها ما حدث لنوع أدبي تراثي شبيه به هو «التوقيعات»، وهو ما سيكون له حديث اَخر.

*قاص وناقد أكاديمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى