أولى

انتخابات… ولكن داخل الحزب الحاكم

 سعادة مصطفى أرشيد*

 

خاض الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزةمناطق ولاية السلطة الفلسطينيةتجربة الانتخابات العامة – (البرلمانية) مرتين، الأولى عام 1996 والتي فازت بها حركة فتح وسط مقاطعة من معظم القوى السياسية المعروفة، وأصبحت حركة فتح هي الحزب الحاكم من خلال أغلبيتها في المجلس التشريعي والثانية عام 2006 والتي شارك بها الجميع، وقد فازت بها المعارضة من خارج منظمة التحرير (حركة حماس)، ولكن ذلك الفوز لم تسر مفاعيله، وهو أمر يجب النظر إليه اليوم ونحن على أبواب انتخابات ثالثة في أيار المقبل، (إنْ تمّت) بعناية واهتمام، فنجاح حركة حماس تصويتاً في صندوق الاقتراع، لم يمنحها حق حصاد ذلك النجاح، وبالتالي تمّ تعطيل نتائج فوزها الإيجابية ووظيفتها التشريعية، وإنما كان الفعل كلّ الفعل، للنتائج السلبية، فلم تتسلم حماس السلطة، وجرت عملية تحريض معقدة عليها وتمّت شيطنتها، انتهت بالانقسام البغيض، واعتقال نوابها في الضفة الغربية من قبل الاحتلال، ثم محاصرتهم من قبل السلطة باعتبارهم امتداداً لإخوانهم في غزة.

هكذا ثبت بالدليل والتجربة، أنّ الشرعية الانتخابية المحلية والتي تمثل إرادة الناخب، لا قيمة لها إنْ تعارضت مع الشرعية الدولية، المتمثلة في حينه بشروط الرباعيةوربما اليوم بما هو أشدّ من شروط وبما فرض من حقائق على أرض الواقع، الأمر الذي يعيد طرح سؤال: هل من المسموح للانتخابات المقبلة أن تعبّر عن خيار الناخب؟ وهل تستطيع إنهاء الانقسام؟ وهل تستطيع تجديد النظام السياسي الفلسطيني، بالشكل الذي يريده الفلسطيني ويعبّر عن حاجاته، خاصة في حال جاءت نتيجة الانتخابات بما لا ينسجم مع الرؤية الدولية والإقليمية وتحديداً الأميركية – «الإسرائيلية»؟ وإذا لم تستطع الانتخابات فعل كلّ أو بعض مما تقدّم، فما هي الحاجة لها؟

سيتعرض الحزب الحاكمفتحفي انتخابات أيار المقبل إلى اختبار صعب، بالطبع وللمرة الثانية أقول، إنْ جرت الانتخابات، يتمثل الاختبار بما يلي :

 أولاً: إنّ حركة فتح هي الحزب الحاكم في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ قدوم السلطة مطلع 1994، حتى انتخابات 2006، فقد زاوجت في البداية بين مشروع الثورة والتحرر الوطني وبين اتفاق أوسلو، مفترضة أنّ هذا الاتفاق من الممكن تطويره والبناء عليه للوصول إلى الدولة، ثم بموجب انتخابات 1996 التي فازت بها بأغلبية وازنة وبغياب قوى معارضة عزفت عن المشاركة، ثم سيطرت على القرار السياسي عندما حصل الانقسام وتعطلت الحياة البرلمانية وذلك من خلال تركيز الصلاحيات بيد الرئيس أبو مازن، وغياب أيّ جهات رقابية، والإسراف بإصدار المراسيم التي تحمل صفة القانون، هذا وإنّ رئيس الحكومة في فترة من الزمن مستقلّ أو مستقلون فلسطينيون، بالاشتراك مع جهات دولية لم تكن صديقة لفلسطين، إنْ لم تكن أصل بلائها. وأقصد هنا طوني بلير والجنرال الأميركي دايتون، وسادت حينها نظرية بناء الدولة تحت الاحتلال، والتي انتهت بتعمق التنسيق الأمني، وازدياد التبعية الاقتصادية للاحتلال، والأخطر هو بناء الفلسطيني الجديد العازف عن القضايا العامة والوطنية والغارق في الديون لصالح البنوك ويلهث لسدادها من أجل الاقتراض من جديد، وذلك بقناع من الازدهار الزائف.

ثانياً: إنّ مشروع مزاوجة التفاوض مع القتال الذي قاده الرئيس الراحل قد انتهى بوفاته، وأثبت أنّ الاتفاق المرحليّ «أوسلو» قابل للتحوّل، ولكن لا باتجاه الدولة وإنما باتجاه مزيد من إحكام السيطرة الاحتفالية، وأن مشروع التفاوض كاستراتيجية رسمية، وطريق أوحد للحصول على شيء من الحقوق، وإقامة الدولة، أثبت تهافته وفشله، وأنّ ما يتمّ الاتفاق عليه وطنياً من إعلان مشاريع مقاومة شعبية، ذات طابع سلمي بدوره لم يتحوّل إلى واقع وحقيقة، وذلك بسبب عدم جدية الطرح أولاً، ثم بسبب العزوف الشعبي عنه ثانياً، من قبل جمهور لم يعد يصدق تلك البيانات. ثالثاً: تشير الأخبار أنّ حركة فتح تعاني من مشاكل داخلية غير مسبوقة قد أخذت تعصف بها، وفي غياب من يستطيع رتق الفتق، أو تسوية الصراعات، الحاصل كما كان يحصل في تاريخها، فلطالما عصفت بها الخلافات ولكنها كانت في سابق عهدها تستطيع في النهاية أن تحافظ على وحدتها. هذه الصراعات والتنابذات، قد أصبحت حديث صالونات السياسة والمقاهي الشعبية على حدّ سواء، فالجميع يتحدّث عن تعدّد القوائم الفتحاوية، قائمة فتح الرسمية (قائمة الرئيس وأغلبية اللجنة المركزية)، وأخرى بقيادة رئيس التيار الإصلاحي محمد دحلان، وثالثة يعدّها عضو اللجنة المركزية، الدبلوماسي القدير ناصر القدوة، ورابعة يتردّد أنّ عضو اللجنة المركزيّة الأسير مروان برغوثي بصدد إعدادها، كما يدور الحديث عن قوائم أخرى أقلّ أهمية. القاسم المشترك بين كلّ تلك القوائم، أنها جميعاً في تنافس مع قائمة فتح المركزية، وترى أنّ تنافسها وخصومتها وسباقها الانتخابيّ مع قائمة حماس يأتي بالدرجة الثانية، في حين ترى سباقها الأول هو مع القائمة المركزية، يوم أمس أخذ التنافس والصراع يزداد ضراوة، في تصريحات بالغة الصراحة والوضوح أدلى بها وزير الشؤون المدنية (المسؤول عن ملف التواصل مع الاحتلال) وهو في الوقت ذاته أحد أعضاء الدرجة الأولى في لجنة فتح المركزية، وذلك لموقع صوت الوطن الإخباري، إذ قال: إنّ الرئيس أبو مازن قد اتخذ قراراً بطرد أي عضو من فتح خارج الحركة، في حال قرّر العمل خارج السياسة الرسمية لفتح، واتهم الوزير قائد التيار الإصلاحي بأنه مأجور (من دون أن يوضح لمن)، وأن فتح لن تسمح لقائمته بخوض الانتخابات حيث تمّ التواصل مع لجنة الانتخابات المركزية بهذا الخصوص، وزاد بأن اعتبر أنّ ترشح أيّ عضو بفتح خارج القائمة المركزية باعتباره خيانة وطنية.

بعد كلّ ما تقدّم، لا يبدو أنّ الطريق إلى الانتخابات معبّد، وإنما مليء بالأشواك والعراقيل، الفلسطينية الداخلية، إضافة إلى العراقيل الخارجية هي الأهمّ والأخطر. المقلق في الأمر، أنّ إجراء الانتخابات عمل يحمل في طياته مخاطر جمة، وعدم إجراء الانتخابات يحمل مخاطر لا تقلّ عن ذلك. فالنظام السياسي القائم لم يعد يستطيع الاستمرار، ولا بدّ من اجتراح طريقة لتجديده.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*سياسي فلسطيني مقيم في جنينفلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى