الوطن

لبنان بدّد نعمة الكهرباء وفشل في إدارتها نحو قرن

 

} عمر عبد القادر غندور*

إلى جانب التحليق الجنوني لسعر الدولار في موازاة الليرة اللبنانية وما يترتب عن ذلك من ارتفاع الأسعار، الى جانب أزمة تشكيل الحكومة التي لا حلّ لها في المدى المنظور، والاحتجاجات المطلبية وقطع الطرقات وهو سلوك غير مبرّر وغير مقبول، الى جانب الخشية من موجة جديدة من تفشي وباء كورونا، تبرز أزمة الكهرباء وهي ليست جديدة منذ ثلاثين عاماً على الاقلّ، لكنها الاسوأ في زمن كورونا، وهي الأزمة التي استنزفت خمسين مليار دولار من عجز الخزينة، ما كانت لتستمرّ بوجود دولة حقيقية، بدل دويلة المزرعة الطائفية الأسوأ في تاريخ لبنان!

عرف لبنان نعمة الكهرباء في بداية القرن العشرين وقبل إنشاء مؤسسة كهرباء لبنان عام ١٩٦٤.

في الآونة الأخيرة بلغ السيل الزبى وأبلغ مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان وزير الطاقة ريمون غجر بأنه يستحيل على المؤسسة الحفاظ على استمرارية المرفق العام لإنتاج وتوزيع التيار الكهربائي على المشتركين، وناشد رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة وايّ جهة معنية بخطورة الوضع وضرورة إعطاء التوجيهات اللازمة.

يعني بالعربي الفصيح أنّ الأزمة ليست جديدة وتعود الى عدة عقود مضت ولم تنجح الحكومات المتتالية في حلّ طلاسمها كغيرها من القطب المخفية التي نمت وتراكمت وأنتجت طلاسم أخرى لا مجال لتعدادها في هذه العجالة، ولكنها ترعرعت بحماية ورعاية الفساد المقونن في مفاصل الدولة من رأس الهرم الى القاعدة.

وكما ذكرنا عرف لبنان نعمة الكهرباء منذ نحو قرن كغيره من دول العالم، بينها دول في أقاصي القارات أقلّ شأناً اقتصادياً وجغرافياً ومالياً من لبنان، ولكنها قدّرت هذه النعمة وحافظت عليها ونمت على جوانبها قطاعات وطنية منتجة.

إلا لبنان، حيث وُضعت هذه النعمة المستحدثة في خانة الاستثمارات السياسية فتوزعت الى شركات وتنفيعات ومع مرور الزمن تحوّلت «النعمة» الى نقمة واستنزاف، بعدما كان لبنان في بداية عهده مع الكهرباء ينتج أكثر من حاجته. ومع تراجع الإنتاج وزيادة التكلفة وعشوائية التوظيف وكثرة السرقات وفشل الجباية والعجز في مكافحة سرقة الطاقة في الكثير من المناطق اللبنانية والاحتكار وانعدام التطوير الإداري في إدارة هذا القطاع، أصبح لبنان خارج الزمن وخارج المسار الصحيح ومُهدّداً بالعتمة لأنّ الدولة العلية ليس لديها العملة الصعبة لشراء الفيول!

وبدلاً من ان تكون الكهرباء الطاقة المضيئة والمجدية، بات اللبنانيون بالأمس واليوم فريسة لأصحاب المولدات يفرضون شروطهم وأسعارهم تحت التهديد بالعتمة.

ولأنّ الذين تولوا رعاية هذا القطاع لم يحافظوا عليه ولم يعالجوا ما يجب معالجته في حينه، باتت الكهرباء الحنفية التي استنفذت مليارات الدولارات من أموال المودعين والدولة.

ولأن هذا الفشل في إدارة قطاع الطاقة ليس ابن ساعته، ولأنّ الإدارة الرسمية فشلت في إدارة هذا القطاع وفي سبيل تعزيز الكهرباء وإشراك القطاع الخاص من خلال إتاحة الفرصة أمامه للاشتراك في عملية إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية، تمّ إقرار القانون ٤٦٢ في العام ٢٠٠٢.

لكن هذا القانون بقي حبراً على ورق، حتى يبقى هذا القطاع أداة استثمار مربحة في دائرة الفساد المقونن.

وفي الساعات الماضية أقرّت اللجان النيابية المشتركة سلفة بقيمة ٢٠٠ مليون دولار لصالح وزارة الطاقة لتفادي العتمة مؤقتاً.

ويقول وزير المال غازي وزني إنّ احتياطات مصرف لبنان التي يمكن استخدامها في عملية الدعم تكفي لشهرين او ثلاثة.

وربما هذا الدعم المموّل مما تبقى من أموال المودعين، يكون الأخير في السياق السريع بين الترقيع والفوضى العامة التي بدأت وتيرتها تتصاعد بفعل الهجمات على محلات السوبر ماركت وإقفال عدد من المحلات واصطفاف طوابير السيارات على محطات الوقود وتحليق الدولار الى أرقام خيالية وارتفاع منسوب الفتنة في طرابلس، والأخطر ارتفاع عدد جرائم القتل والتشليح وسرقة السيارات وقطع الطرق، والمعلن من هذه الجرائم أكثر بكثير مما هو غير معلن!

وبالعودة إلى صرف الـ ٢٠٠ مليون دولار، فهو ترقيع ما لا يمكن ترقيعه وأشبه ما يكون بلحس المبرد !!

والحل لا يكون إلا بقيام هيئة من الاختصاصيين من خارج مشورة ورأي الطاقم السياسي ومن غير الذين اشتغلوا في قطاع الكهرباء، لوضع تصوّر علمي لإنتاج الكهرباء وبوسائل غير التي كانت معتمدة والتحوّل الى الغاز لتشغيل معامل الإنتاج بدلاً من الفيول والمازوت، والى ان يتحقق ذلك نرجو للجميع طول العمر.

 

*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى