الحكومة بين بطل الوطن وبطل طائفته
ناصر قنديل
– منذ عشرة شهور استقالت حكومة الرئيس حسان دياب إثر انفجار مرفأ بيروت، ولبنان معلّق على خشبة الانتظار لولادة حكومة جديدة، تبدّلت خلالها العناوين والتسميات من دون أن يتغيّر جوهر الأزمة المتمثلة بصعوبة تشكيل حكومة جديدة، فلا حكومة الاختصاصيين المستقلين برئيسها وأعضائها أبصرت النور مع الدكتور مصطفى أديب، ولا تسمية أحد الزعماء السياسيين، هو الرئيس سعد الحريري، رئيساً مكلفاً بتشكيل الحكومة الجديدة على قاعدة توازن الرئاسات بتمثيل الأقوياء في طوائفهم، فتح الطريق لولادة هذه الحكومة، وبدا في كل مرة نعتقد بحصول أي تقدم على طريق ولادة الحكومة، أننا نبتعد من جانب جديد عن هذه الولادة، وسط تقاذف الاتهامات مرة باسم الصلاحيّات ومرة باسم التوازنات، ليلقي كل طرف بالمسؤولية على سواه بعرقلة ولادة الحكومة.
– في مراحل ممتدّة من تسمية الرئيس الحريري حتى تاريخه، ترافق التأزم المرافق لولادة الحكومة مع مناخات تريّث وغموض في المشهد الدولي والإقليمي، بررت بعض التريث لدى المعنيين بتشكيل الحكومة، خصوصاً فريقي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، على قاعدة انتظارات كانت تجد بعض المشروعية في وقتها، لكن كل هذا قد انتهى، والصورة باتت واضحة دولياً وإقليمياً، فالإدارة الأميركية الجديدة تقود مفاوضات حثيثة مع إيران للعودة الى الاتفاق النووي معها، وقد قطعت الشوط الرئيسيّ الأهم على هذا الطريق، والعلاقات الإيرانية السعودية تتقدم إيجابياً، والانفتاح السعودي على سورية يتقدّم، بحيث لا يقف التعقيد الحكومي على أي من خطوط الأزمات الإقليمية والدولية، بل بالعكس يمثل سياقاً نافراً عن السياق الإقليمي والدولي الذاهب نحو التسويات.
– التفاصيل الحكوميّة صارت بلا قيمة، بما فيها نظرية حكومة الاختصاصيين، والحديث عن الوزراء المستقلين صارت مزحة سمجة، فالشيء الوحيد الذي يمتلك قيمة اليوم، هو ما يمكن القيام به لملاقاة لحظة انهيار قادم ينتظر لبنان، وهو انهيار متعدّد المجالات والوجوه ويتقدّم بسرعة، بينما لم يعُد ممكناً اعتباره هدفاً يسعى إليه أي من الذين ساهموا بجعله مشروعاً لإسقاط لبنان أملاً بقطف ثمار سياسية من هذا الانهيار، بعدما صار واضحاً أن هذا الانهيار سيخرّب ويشوّش على المناخات الجديدة في المنطقة والعالم، وأن المفاجأة الكبرى تتمثل بأن المعنيين بالملف الحكومي يفكرون بطريقة منفصلة عن الواقع الجديد في المنطقة والعالم، بعدما كان اللبنانيون يعتقدون أن مشكلتهم مع زعمائهم هي بالإفراط في ربط مسارات بلدهم بما يجري خارجه، فإذ بهم يكتشفون أن مشكلتهم مع زعمائهم هي بأن هؤلاء يربطون لبنان بالخارج بالسلبيات فقط، ويفكون ارتباطه عندما يكون عليهم تلقف الإيجابيات الخارجية وتوظيفها لفتح طريق الحلول.
– كشفت النقاشات السابقة للملف الحكومي، ونقاط التعقيد التي تعرقلت عندها ولادة الحكومة، وتكشّف النقاشات الحالية، مع الحراك الذي يقوده رئيس المجلس النيابي نبيه بري مدعوماً من حزب الله، بما يمثل الفريقان من قدرة تأثير على الطرفين المعنيين بتأليف الحكومة، وما يعكسانه من صلة بالواقع الدولي والإقليمي، أن خلفية مقاربة الملفات المطروحة للبحث محكومة بمعادلة السعي لظهور كل من الطرفين بصورة بطل طائفته، لا بطل الوطن، فالزجّ بنقاش الصلاحيات الرئاسية وتقاسمها في ملف التأليف يقع على خط التماس الطائفيّ، والبحث بجنس ملائكة الوزيرين المسيحيين، وبخريطة الحقائب وتقاسمها، قضايا سخيفة بالقياس لما يتهدّد لبنان من جهة، وبالموارد المتاحة للحكومة من جهة أخرى، والرابح فيها يربح وهماً ومزيداً من المسؤولية عن مواجهة تحديات أكبر من طاقة البلد كله فكيف بطاقة فريق منه، والخاسر فيها يخسر أعباء لا مكاسب، بجعل المسؤولية شراكة بالنهوض بالبلد يسقط أمامها كل وهم الإمساك بالقرار، حتى الثلث المعطل أكبر من حامله على استعماله أياً كان، واذا كان اعتقاد المعنيين أن التمسك بالخطاب الطائفي سيبقي صاحبه على ضفة الربح حتى لو لم تتشكل حكومة، أملاً بحصاد أصوات طائفيّة في انتخابات مقبلة قريبة أو بعيدة، او أن عدم تشكيل الحكومة سيحرره من تبعات مسؤوليّة ما سيواجه هذه الحكومة من تحديات، فالكل واهم ولا يُحسِن القراءة، فاللبنانيون بكل طوائفهم، سيمنحون تقديرهم للبطل الذي سيُقدم على التضحيات والتنازلات لأجل النهوض بالوطن، وقلة قليلة تلك التي تقف وراء تفاصيل الأمراض الطائفيّة وعصبياتها، قلة لن تعلي شأن تابعها، ولن تمنحه فوزاً في انتخابات قد تطيح بها الفوضى المقبلة إذا بقيت البلاد تسبح في الفراغ بلا حكومة، وعندها سيندم الجميع، لات ساعة مندم، لأنه سيصعب عليهم تبرير أفعالهم لجمهور غاضب سيحملهم جميعاً مسؤولية الخراب والفشل، بينما يفوتهم أن أمام الحكومة الجديدة إذا تجاوزوا العقد الموهومة والمصطنعة فرصاً للاستثمار على مناخات دولية وإقليمية جديدة، تجعل الخراب صناعة محلية بقرار لا قدراً لا يمكن ردّه.