اليمن آخر الحروب وأول التسويات
ناصر قنديل
– لا يحبّ اللبنانيون تصديق أن بلدهم يشكل جبهة ثانوية في الصراع الكبير الدائر في المنطقة. ورغم الأبعاد الداخليّة الحقيقية للأزمات السياسية والاقتصادية والمالية التي تعصف بلبنان. والتي يأمل البعض أن تشكل أبواباً للتغيير. يبقى أن النظام الطائفي والمتخم بمظاهر الفساد والمحكوم بسياسات اقتصاديّة ومالية فاشلة. بقي على قيد الحياة بقرار خارجي. كان يراهن على تقييد المقاومة بمعادلات لبنانيّة داخلية. أو بمتغيرات ينجح بفرضها في الإقليم. نظراً للكلفة العالية لكل تفكير بمواجهة مباشرة مع المقاومة في لبنان. وعدم وجود نتائج موثوقة لمثل هذه المواجهة. وعندما وصل الرهان على متغيرات الحرب في سورية أو على معادلات الداخل. ونجحت المقاومة بفرض معادلات داخلية أشد قوة مع التسوية الرئاسية وقانون الانتخاب القائم على النسبية. قرّر هذا الخارج وبصورة خاصة الراعي الأميركي والمموّل الخليجي. وقف تمويل هذا النظام. فانكشفت عوراته. وانفجرت أزماته. لكن المصيبة الأعظم هو أن هذا الخارج عندما يفرغ من ترتيبات التسويات ووضع قواعد الاشتباك في المنطقة. وقد قرّر السير بها كبديل عن خيار المواجهة الذي ثبت فشله وظهر أنه طريق مسدود. سيعود لتمويل هذا النظام وتعويمه. لكنه يريد للمفاوضات أن تجري والمقاومة منشغلة بهموم النظام وارتداداتها على الشعب اللبناني.
– سورية التي تشكل عقدة المنطقة الرئيسية بتوازناتها ومكانتها من كل عناوين الصراع الإقليمي، شكلت بيضة القبان في رسم التوازنات التي أسقطت الرهانات على خطط المواجهة. وأجبرت بالانتصارات التي تحققت فيها حلف الحرب عليها بالتراجع وأصابته بالتفكك وفرضت عليه التسليم بالفشل. لكن صورة التسوية في سورية مؤجلة. رغم ما فرضه الشعب السوري في يوم الانتخابات الرئاسية من معادلات ترسم ثوابت أي تسوية بما يتصل بشكل النظام السياسي ومرجعياته. ورغم الاستدارة التي يقوم بها أطراف كثيرون شاركوا بالحرب ويعودون الى دمشق ويفتحون سفاراتهم ويغيّرون خطابهم، إلا أن سورية ترسم أوزاناً جديدة لكل قوى العالم الجديد. ففيها الاحتلال الأميركي والإحتلال التركي ومستقبل الدويلة الكردية والجماعات الإرهابية، ومنها تتقرر قواعد الاشتباك بين محور المقاومة وكيان الاحتلال في الجولان وحول مستقبل الغارات على سورية، وفيها الوجود الروسي والإيراني والمقاوم. ويعتقد الأميركي أنه بالعقوبات واحتجاز النازحين والإمساك بتمويل إعادة الإعمار يملك القدرة على المفاوضة على شرعنة النصر السوري وثمن هذه الشرعنة وشروطها. ولذلك تبدو التسوية حول سورية مؤجلة لما بعد حلقات تسبقها. تضع قطار التسويات على السكة. وتطلق صفارة الانطلاق.
– تقع إيران في قلب الصراع وتشكل قاعدة الارتكاز فيه. ويشكل ملفها النووي عنوان الصراع الذي يختزن ما هو أبعد من النووي، ليطال مستقبل مكانة إيران في المنطقة. وقد كانت كل محاولات الضغط بحجة النووي لتطويع إيران وإضعافها. فيما يشكل التراجع عن العقوبات تحت عنوان العودة للاتفاق النووي تعبيراً عن التسليم بالفشل وسعياً للانخراط في تسويات يدور التفاوض حول مضامينها. وكل الوقائع تقول إن الاتفاق بات منجزاً بنصوصه وتفاصيله. وإن روزنامة التنفيذ الجزئي قبل الإعلان عن العودة للاتفاق قد بدأت. سواء عبر تحرير أموال وودائع إيرانية في الخارج كانت تحتجزها العقوبات الأميركية. وصولاً لما أعلن مساء امس عن اول خطوة أميركية مباشرة برفع العقوبات عن اشخاص وكيانات كانوا تحت نظام العقوبات، كما قالت وزارة الخارجية الأميركية .
– الحرب على اليمن كانت خط الاحتياط الأميركي السعودي في مواجهة نتائج التوقيع على الاتفاق في المرة الأولى. وجاءت نتائجها وبالاً. وشكل اليمن مفاجأة الحروب كلها. فانقلبت الحرب من أداة ضغط أميركية سعودية الى أداة ضغط معكوسة. وصار أمن الطاقة وأمن الخليج تحت رحمة أنصار الله. وبات دخول زمن التسويات مشروطاً بإنهاء الحرب بشروط غير مذلة للسعودية تتيح حفظ ما تبقى من ماء الوجه. لكن سوء التقدير السعودي الذي كان مع بداية الحرب لا يزال مستمراً مع الحاجة لإنهائها، وأوهام تحقيق المكاسب يحكم العقل السعودي الذي لم يعرف كيف يربح ولا يعرف اليوم كيف يخسر. فعرض وقف النار دون إنهاء الحصار تسبب بتعقيد الإعلان عن انطلاق خط التسوية في اليمن. وتسبب بتأجيل الإعلان عن التوصل الى الاتفاق على العودة للاتفاق النووي. لكن الزمن داهم. ولذلك يرمي الأميركيون بثقلهم لمخارج يقول بعض الوسطاء إن بينها توقيع اتفاق لفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة بين السعودية وعُمان، وتوقيع اتفاق مماثل بين عُمان وأنصار الله، خلال أيام وربما ساعات يعقبها الإعلان عن وقف النار. ليتسنى السير بالإعلان عن الاتفاق على الملف النووي من فيينا.