أخيرة

البطاقة التمويلية… لماذا افتعال مشكلة التمويل؟

} أحمد بهجة*

طغت المواضيع السياسية خلال الأيام الماضية على ما عداها، ومَن يتابع نشرات الأخبار التلفزيونية والعناوين الرئيسية للصحف (باستثناء قلة قليلة) سرعان ما يُلاحظ أنّ السياسة تأخذ صدارة الاهتمامات بينما أنين اللبنانيين الموجوعين يكاد لا يُسمع إلا لدى عدد محدود من المسؤولين السياسيين الذين يشتغلون بضمائرهم لا بمصالحهم.

هؤلاء اللبنانيون الموجوعون لا ينفعهم “كثر الحكي”، بل يريدون أن يروا ويلمسوا أفعالاً بشكل سريع جداً، اليوم قبل الغد، بدءاً بوضع البطاقة التمويلية موضع التنفيذ الفوري من دون أيّ محاولات للتسويف والمماطلة بحجة عدم القدرة على التمويل وما شابه ذلك.

من حقّ اللبنانيين ان يشكّكوا بنوايا ومقاصد كلّ من يقول مثل هذا الكلام، لأنّ الأرقام الواضحة تمثل خير ردّ، خاصة أنّ الحديث عن البطاقة التمويلية بدأ قبل سنة تقريباً حين تبيّنت للجميع مساوئ برنامج الدعم الذي جرى اعتماده آنذاك بعد تدهور قيمة العملة الوطنية، حيث بلغت تكلفة ذلك البرنامج أكثر من 500 مليون دولار شهرياً، ولم يكن يصل من هذا الدعم إلى مستحقيه الفعليّين أكثر من عشرين في المئة بينما يذهب الباقي إما إلى جيوب التجار والمستوردين والمحتكرين، أو الى فئات وشرائح اجتماعية لا تحتاج إلى الدعم أصلاً.

أما البطاقة التمويلية كما طرحها الرئيس حسان دياب فإنّ تكلفتها لا تتجاوز الـ 100 مليون دولار شهرياً ويستفيد منها بشكل مباشر مَن هم بحاجة إلى الدعم بعيداً عن جشع التجار والمهرّبين وغيرهم.

ومع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمالية فقد ارتفعت أعداد الذين يحتاجون إلى الدعم لتصل إلى أكثر من ثمانين في المئة من العائلات اللبنانية والتي قدّرت الحكومة عددها بنحو 750 ألف عائلة لا بدّ من دعمها ومساعدتها في هذه الظروف الصعبة والقاهرة.

أما الذين يرفعون الصوت بحجة عدم المسّ بالاحتياطي الإلزامي، لأنها أموال المودعين! وأوّلهم الحاكم (ما غيره)، يتناسون أنّ ما يقولون إنه احتياطي إلزامي هو %15 فقط من حجم الودائع، ولا يجيبون على السؤال الكبير عن مصير الـ %85 من الودائع، وأين تبخرت ومَن أهدرها وحوّلها وهرّبها إلى الخارج؟ وآخر المليارات هي التي ذهبت لتمويل برنامج الدعم الذي استفاد منه عدد معروف ومحدّد من التجار والمحتكرين والمستوردين ومعهم مَن يغطيهم من الطاقم السياسي، وهؤلاء جميعاً يدورون في الفلك نفسه مع الحاكم نفسه!

ثمّ أنّ الاحتياطي الإلزامي ليس وارداً في قانون النقد والتسليف حتى يُقال إنّ المسّ به هو مخالفة لذلك القانون، حيث بدأ العمل بتكوين هذا الاحتياطي بقرار صادر عن حاكم مصرف لبنان عام 2002، بعد مؤتمر باريس 2، الذي وصل إليه الوفد اللبناني برئاسة رئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريري فيما لبنان على حافة الإفلاس، فتقرّر يومها موضوع الاحتياطي الإلزامي بحجة أنّ هذا الإجراء يحفظ حقوق المودعين ويحميهم من تغوّل المصارف، لكن ما يظهر اليوم هو عكس ذلك، حيث انّ المصارف ومعها مصرف لبنان ومعظم الحكومات المتعاقبة فتكت بمدّخرات اللبنانيين المقيمين والمغتربين ومعهم بعض المودعين من الأشقاء السوريين والعراقيين والعرب.

المطلوب اليوم ببساطة هو الحسّ بالمسؤولية تجاه الناس وتغليب الضمير الوطني على كلّ ما عداه من مصالح سياسية آنية أو انتخابية ضيقة، وملاقاة رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب الذي يبذل أقصى الجهد من أجل تأمين التمويل اللازم لوضع قانون البطاقة التمويلية موضع التطبيق بأسرع وقت ممكن، لأنّ الناس لم تعد تحتمل المزيد من المماطلة والتسويف، وبات لا بدّ من حسم الأمور إيجاباً ريثما تكون الأجواء السياسية قد هدأت قليلاً وانخفضت السقوف العالية إلى حيث يمكن الاتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة التي تقع عليها مسؤوليات كبيرة جداً في وضع خريطة الطريق للحلول الجدية الأبعد مدى…

في المحصّلة لا بدّ أن يتحمّل حاكم مصرف لبنان مسؤولياته تجاه الشعب اللبناني، وذلك باتخاذ القرار الصحيح واعتماد خطة ترشيد الدعم التي أعدّتها حكومة الرئيس حسان دياب والتي توفر أكثر من مليارين ونصف المليار دولار كونها لا تكلف أكثر من مليار ونصف المليار دولار، ويصل الدعم إلى مستحقيه فقط من دون هدر ولا من يهدرون…

فهل يُقدِم الحاكم على سلوك هذا الطريق الصحيح أم أنه سيبقى مُصراً على طرقاته الخاطئة التي أوصلت لبنان وشعبه إلى ما نعيشه اليوم من مآسٍ وأزمات ومشاكل…؟

*خبير مالي واقتصادي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى