أولى

(ثورة 23 يوليو 1952) ثورة عالميّة !!

 د. محمد سيّد أحمد* 

حلّت علينا هذا الأسبوع الذكرى التاسعة والستون لثورة 23 يوليو 1952 وعلى الرغم من مرور ما يقرب من سبعة عقود على قيامها, إلا أنها لا زالت تثير العديد من القضايا الإشكاليّة التي تجعلنا كل عام نقوم بتكرار الكلام نفسها, فمؤيّدوها مازالوا يحتفلون بالذكرى ويمجدون زعيمها الذي انتصر للفقراء والكادحين والمهمّشين وحقق لهم إنسانيتهم وأعاد إليهم كرامتهم المهدرة داخل وطنهم, فما زالت كلمته الشهيرة «ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد» محفورة في أذهان الأجداد والآباء ويتوارثها الأبناء, وهو الزعيم الذي حقق انتصارات وضعته في قلوب الملايين سواء في وطنه الأصغر وطنه العربيّ الأكبر بل ومن قبل كل الأحرار في العالم, ورغم الانكسارات ظلت الجماهير متمسكة به باعتباره القائد والرمز والأمل القادر على تجاوز الصعوبات والمحن, وعند وفاته خرجت الجماهير في أماكن عديدة على سطح المعمورة كالطوفان لتودّعه ولتخلّد ذكراه.

أما معارضوها فمازالوا يستغلون الذكرى ليجدّدوا الهجوم عليها وعلى زعيمها ويصفوهما بكل نقيصة, ويحاولوا تشويه كل إنجازاتها بل وصل الأمر للخلاف حول مسمّاها ذاته وهل هي ثورة أم لا؟ ولا شك في أن هؤلاء المعارضين المهاجمين للثورة وزعيمها قد أصابهم بعضٌ من ضرر نتيجة قيام الثورة وانحيازها لجموع الشعب، وبالتالي سحبت من تحت أقدامهم جزءًا من ثروة وسلطة ومكانة كانوا يحصلون عليها دون وجه حق قبل قيام الثورة في ظل حكم ملك غير مصري (ألباني) استولى على الحكم بالوراثة, ومندوب سامي للمحتل البريطاني كان هو الحاكم الفعلي للبلاد, وكان آباء وأجداد المهاجمين للثورة وزعيمها اليوم يحصلون على الثروة والسلطة والمكانة من خلال الذل والمهانة وتقديم فروض الولاء والطاعة للملك والمندوب السامي.

وما بين هؤلاء المؤيدين وأولئك المعارضين يدور دائماً السجال؛ وهذا أمر يبدو طبيعياً, لكن الغريب حقاً هو اتساع دائرة المعارضين لتضمّ إليها أبناء وأحفاد مَن انتصرت لهم الثورة من أبناء الفلاحين المعدَمين الذين كانوا يعملون بالسخرة وفي ظل ظروف غير إنسانيّة لدى البشوات الذين منحتهم أسرة محمد علي (الألباني) مئات وآلاف الأفدنة دون وجه حق فقط، لأنهم كانوا يعملون في خدمة البلاط الملكي, وجزءاً من حاشية الملك المغتصِب ثروات الوطن, ويأتي تطاول هؤلاء على الثورة وزعيمها في محاولة لإخفاء أصولهم الاجتماعية الحقيقية بعد أن تمكنوا من الصعود لأعلى السلم الاجتماعي بفضل الثورة وإنجازاتها على كافة المستويات.

وعندما تسأل هؤلاء هل كان أبوك أو جدك باشا يعمل في ذل ومهانة لدى الملك وتمكّن من الحصول على قطعة أرض كمنحة من الملك لتقديمه فروض الولاء والطاعة, فتكون الإجابة لا كان أبي وجدي فلاحاً بسيطاً يعمل في الترحيلة الزراعية أي أنه كان فلاحاً معدماً حافي القدمين ولا يرتدي غير جلبابه الرثّ ولا يرتدي أي ملابس داخلية من تحته, حصل على أقل من خمسة أفدنة بفضل الثورة وقانون الإصلاح الزراعي, ولدينا داخل البيت صورة للزعيم جمال عبد الناصر وهو يسلّم أبي أو جدّي صك الملكية, وبفضل هذه الأفدنة القليلة استطاع أبي أو جدي تعليمنا ودخولنا للجامعة بعد أن أصبح التعليم مجانياً بفضل الثورة. وبعد التخرج حصلنا على وظيفة بفضل القوى العاملة التي أنشأتها الثورة, وأرسلنا لبعثات بالخارج وعدنا لوظائفنا المحفوظة وتدرجنا بها إلى أن أصبحنا في مكانة مرموقة توازي مكانة البشوات في العصر الملكي, لكن بالطبع دون ذلّ أو مهانة, بعد أن منحت الثورة وزعيمها كل حقوق المواطنة وأقرت العدالة الاجتماعية دستوراً لها.

إذن لماذا تهاجمون الثورة وزعيمها ؟! وهنا تجد إما عجزاً عن الإجابة أو إجابات خارج نطاق العقل والمنطق.

ومن القضايا الخلافيّة على الثورة حتى الآن هو تسميتها؛ فالمعارضون لها ما زالوا يصفونها بالانقلاب في محاولة للتقليل من شأنها والنيل منها, ولهؤلاء نقول إن الثورات لا يحكم عليها إلا بنتائجها, فالتعريف العلمي للثورة يقول: «إنها إحداث تغيير جذريّ إيجابيّ في بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية». ومن هذا المنطلق يمكننا التأكيد وبما لا يدع مجالاً للشك أن ما حدث في 23 يوليو 1952 هو ثورة بكل ما تحمله الكلمة من معنى, فقد أحدثت الثورة تغييراً جذرياً إيجابياً في بنية المجتمع على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية, ومكنت الغالبية العظمى من المصريين من ثروات وخيرات بلادهم, وأحدثت تغييراً جذرياً في البنية الطبقية. فخلال أيام معدودة تحوّل الفلاحون الأجراء إلى ملاك وانتقلت آلاف الأسر من الطبقة الدنيا إلى الطبقة الوسطى مباشرة, وخلال سنوات معدودة أيضاً انتقل آلاف آخرون من أسفل السلم الاجتماعي إلى أعلاه بفضل التعليم المجاني وفرص العمل.

وبعد كل ذلك يأتي من يحاول تشويه الثورة والنيل منها ومن زعيمها وإنجازاتها فتجد مَن يهاجم تأميم قناة السويس ويدعو لعودة تمثال ديلسبس, ومَن يهاجم السدّ العالي الذي حجب الطمي والأسماك خلفه, ومَن يهاجم القطاع العام لسوء إدارته ويسعى لبيع ما تبقى منه, ومَن يهاجم التعليم والصحة المجانيّة نظراً لعدم جودتهما, وإذا كان هؤلاء المهاجمون من أبناء أو أحفاد بشوات ما قبل الثورة كان يمكننا أن نجد لهم بعض العذر لهذا الحقد وهذه الكراهية للثورة وقائدها، فقد جاءت الثورة لتنال من مكتسباتهم التي حققوها بالذل والمهانة وتقديم فروض الولاء والطاعة لحاكم مستبدّ غير مصري أو محتل غاصب يستولي على ثرواتنا بالقوة العسكرية الغاشمة.

 لكن غالبية المهاجمين لها اليوم هم من أبناء الفقراء والمعدمين الذين لولا الثورة ما حصلوا على مكانتهم الحالية، وكان وضعهم الحقيقي عمالاً زراعيين حفاة عراة يعملون بالسخرة لدى بشوات ما قبل الثورة كما كان وضع آبائهم وأجدادهم, وفي الذكرى التاسعة والستون للثورة نقول لهم عودوا إلى رشدكم فثورة 23 يوليو 1952 ثورة عالميّة امتدت آثارها ليست في محيطنا الإقليميّ فقط بل ألهمت كل حركات التحرّر حول العالم , اللهم بلغت اللهم فاشهد..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى