أولى

الحكومة المنتظرة… من تكليف إلى توليف إلى تشكيل إلى مستنقع جديد!

 د. عدنان منصور*

معضلة رئيس الحكومة المنتظر، ليست بابتلاع منجل التكليف، وإنما المشكلة بتصريف التشكيل!

إذ ليس التكليف نهاية المطاف، وإنما استمرار لأزمة التوليف والتشكيل المستمرة، في بلد النظام الطائفي الذي تحلل فيه كلّ شيء.

عندما تلتقي كلّ المتناقضات داخل حكومة واحدة، تصبح الحكومة لا لون، ولا طعم، ولا رائحة لها. باستثناء الراحة الذكية التي سيبثها رئيسها عليها! من قال إنّ أرسطو كان على صواب عندما قال: لا يمكن للشيء أن يكون هو ذاته وهو غيره في آن معاً وفي اللحظة ذاتها؟! قد يؤخذ بمنطق فلسفة أرسطو في أيّ وقت، ويطبق في كلّ مكان إلا في لبنان. وللتأكيد على ذلك، ما على أرسطو إلا أن يأتي الى لبنان، ويدخل قاعة الحكومة وهي مجتمعة، ليرى بأمّ عينيه خطأ نظريته، حيث في لبنان يسقط المنطق، وتسقط معه الفلسفة والنظريات المادية والماورائية والحكمة وكلّ المعادلات الرياضية!!

نعم، في لبنان وعند الزعماء السياسيين، يمكن للشيء أن يكون هو ذاته وهو غيره في آن معاً وفي اللحظة ذاتها. إذ بإمكان المسؤول في لبنان، إن يكون داعياً للإصلاح وهو في نفس الوقت راعياً للفساد ومحركه! يحرص بشدة على العدل والعدالة، وهو يعبث بالدستور والقانون في آن معاً. تراه لا يبخل بخطبة عصماء، طنانة رنانة، يكاد أن يذرف دموعه السخية فيها، لتأثره على حالة أبناء الشعب من الكادحين، والمعذبين، والمقهورين، والباحثين عن لقمة العيش، في الوقت الذي يسرقهم ليلاً نهاراً ويعصر عروقهم، ويشرب دمهم! في لبنان تغيير المواقف واستبدال الجلود، والتخلي عن المبادئ والوعود،

حاضر دائماً، وغبّ الطلب، وغبّ المصالح الشخصية!

يريدون حكومة اختصاصيين «مستقلين»، لا علاقة لهم بالسياسة، فيما اللبناني ينشأ على السياسة ويجعلها خبزه اليومي سلباً أو إيجاباً، ويتأرجح ويقفز كالعصفور الدوري من غصن

 الى غصن، ويتنقل مع هذه الجهة او ذاك…

 فأيّ حكومة هي حكومة «المستقلين» التي «ستستقل» عن الكتل السياسية النيابية، التي ستمنحها في ما بعد ثقتها «المستقلة» عنهم (!!!)، أليس رئيسها وأعضاؤها سيأخذون مسبقاً بركة وموافقة الأقطاب على توزيع العدد والحصص والحقائب وحتى الأسماء! فكيف يمكن إذن أن تحصل على الثقة اذا كانت «مستقلة» وبعيدة عن فلك الزعماء وإرادة السياسيين وكتلهم، ورغباتهم، وتوجهاتهم وبركاتهم وتأثيراتهم؟! ثم هل يكفي حكومة اختصاصيين مستقلين او غيرها تسعة أشهر لانتشال البلد من الكارثة والإنهيار الذي هو فيه!!

 هل لنا بعد كلّ ما جرى ويجري، أن نعوّل على حكومة رئيساً وأعضاء، وننتظر منها الترياق والفرج، والإنجازات العظيمة الباهرة خلال أشهر قليلة باقية؟!

في لبنان يموت الشعب ويحيا الحاكم! هو دائماً على حق، والشعب على خطأ! وليس من الصعوبة بمكان العودة الى فردوس السلطة. وكي يعود اليها، يجب أن يحمل في جعبته سيرة ذاتية حافلة على الأقلّ بالوعود وهي لزوم الشغل، وبملفات ومخالفات قانونية ومالية مفضوحة، ما عرفت يوماً طريقها الى القضاء والمحاسبة والعدالة!

هل كان بإمكانك أرسطو لو كنت عندنا في لبنان، أن تحلّ لنا بفلسفتك لغز السلطة والحكم، ولغز بقاء الحكام والزعماء السياسيين المتسلطين على رقاب الشعب!

طوبى لك أرسطو، أنك لم تعش في بلدنا وبيننا لترى عجائبنا، وانفصامنا، وغرائزنا، ومنطقنا، وسلوكنا، وأدائنا، وأخلاقياتنا،

وإلا لو عشت في لبنان، وخبرت المنظومة السياسية على حقيقتها فيه، لوجدت نفسك أقرب ان تكون داخل مصح عقلي، من أن تكون فيلسوفا!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى