ثقافة وفنون

أسئلة عبد الله

} د.عبد المجيد زراقط 

كتب عبد الله رواية. صدرت الرِّواية عن دار نشر معروفة، وأرسل نسخاً منها الى أصدقائه. أصدقاؤه مثقفون: صحافيون، مسؤولو أقسام ثقافية، نقَّاد، مديرو منابر ثقافية… أصدقاؤه، كما كان يعتقد، كثيرون.

كتب عن كلٍّ منهم، وعن كتبه مرَّاتٍ كثيرة، ولم يُخب لأيٍّ منهم طلباً، وكان ينتظر أن يبادلوه الصنيع، وأن يحتفلوا بروايته، ويكتبوا له مباركين، وعنها معرِّفين، ومحلِّلين…

لمَّا طال انتظاره، كتب رسائل كثيرةً لأصدقائه على «الوتس»، وجاءته رسائل من أصدقاء ليرسلها إلى أصدقاء آخرين..

 لم يرسل الرسائل، وبقي مدَّةً يتسلَّى بقراءة ما كتبه وما كُتب له، وتبيُّن دلالته. ويطيل السُّكوت… السكوت الناطق، البادي في انفراجة شفتيه التي كانت لا تنفكُّ تتَّسع وتضيق…

لم يمحُ الرسائل. سأل نفسه، بعد أن قرأها مرَّاتٍ كثيرة: ماذا أفعل بها؟ خطر له أن يجمعها، لكنَّ عددها كبير، فقرَّر أن يجمع نماذج منها، ويجعل منها نصَّاً يضع له عنواناً هو «أنا والاَخر»، ينطق برؤية الأنا الى هذا الاَخر هي المسكوت عنه الذي لم ينطق به.

النماذج المختارة هي :

«إلى…

اتفقت وايَّاك، قبل طباعة الرواية، على أن تعرضها في معرض (…)، وأن تعرضها في معرض (…)، وأن ترسل لي حصَّتي من النُّسخ..

كما اتفقنا على أن تزوِّد الصفحات الثقافية بنسخٍ منها..

لكنك لم تفعل.

كنتَ تستمهلني، وتورد أعذاراً، وتأتيني رسائلك المكتوبة والصوتيّة واتصالاتك الهاتفية يوميَّاً، وأحياناً في اليوم الواحد مرَّاتٍ…

 وعندما أرسلت لك المبلغ المطلوب، وقبضته، لم تعد تجيب عن رسائلي، هل لي أن أعرف الأسباب، ان كان لديك أسباب؟».

« إلى…

طلبتَ منِّي أن أكتب عن ديوان شعري، ففعلت، وعن رواية ففعلت، وأن أشارك في ندوةٍ وندوةٍ وتكريم، ففعلت، و…

أرسلت لك نسخةً من روايتي، فلم تكتب لي لتقول: مبارك. ولم تُشِر إليها في صفحتك التي تشيد فيها بفلان وفلان… قد أجد عذراً لك، اذ ليست لديَّ حوافز الإشادة التي تُجيدها»..

« الى…

كنت تطلب منِّي أن أكتب عن كلِّ كتابٍ تنشره، فكنت ألبِّي طلبك، ثم طلبت منِّي أن أعدَّ دراسةً عن جميع أعمالك، فكان لك ما طلبت، ثم طلبت أن ألقي في تكريمك ما يُعلي شأنك، فألقيت ما جعلك تبتهج.

 أرسلت لك نسخة من روايتي، فلم تنشر خبراً عنها في الصفحة الثقافية التي ترأس تحريرها…».

 « اليك…

يبدو أنَ صاحبك الذي «فلقتني» بصداقتك القديمة، الوطيدة به، والذي لم تترك إصداراً له الَّا وكتبت عنه، يبدو أنه لا يريد أن ينشر المقالة التي كتبتُها أنا عن روايتك، وأصررت أنت على إرسالها له…

 ماذا يريد؟ هل تحزر أو أخبرك ما نُمي إليّ؟»…

« اليك…

صحيح أنَّها نشرت المقالة، لكنَّها حذفت ما أخلَّ بسياقها، وغيَّرت العنوان، فوضعت عنواناً غير دالٍّ على ما جاء فيها، ويدلُّ على أنَّ الرواية تسجيل للأحداث التاريخية، وهذا مغاير تماماً لما جاء في المقالة، ولهويَّة الرواية، هل تعرف لماذا فعلت هذا؟ «.

« اليك…

انتظرتُ أسابيع، ولم ينشر المقالة، يواصل القول كلَّما حكيت معه: انتظر… سأنشرها.

 اطمئن سينشرها…

لا… ليس السبب السجال القديم الذي دار بينكما…، ألا تذكر لقد نشر لك من قبل!؟

 مللت الانتظار. أرسلتها الى صحيفة أخرى، ووعد محرِّر صفحتها الثقافية بنشر المقالة التي كتبتها منذ أن أرسلت لي الرواية..».

رأى أنَّ هذه النَّماذج تكفي لقول ما يودُّ قوله عن «الأنا والاَخر»، فجمعها، وهو يسمع صوت أخيه الذي كان لا ينفكُّ عن القول له :

– لن أقول لك رأيي الحقيقي فيك، وفي ما تفعله… أكتفي بأن أقول لك: أنت لا تعيش في هذا العصر… في هذا العصر لا أحد يُقدِّم خدماتٍ مجانيَّة…

وهو الاَن في حيرة من أمره، يريد أن يعرف رأي أخيه الحقيقي الذي أصرَّ على أن لا يبوح به…، كما يريد أن يعرف حقيقة ما قام به… هل كانت خدمات مجانية؟ وهل يواصل القيام بما كان يقوم به، والعيش خارج هذا العصر وخارجه في الوقت نفسه؟

وعندما وصل الى هنا، رأى أنَّ عنوان هذا النَّص الذي وضعه عندما بدأ بجمع الرسائل، يجب أن يتغيّر، فما هو العنوان الذي تقترحونه؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى