أولى

أفغانستان بداية انهيارمشروع احتواء الشرق

 محمد صادق الحسيني

كلّ شيء في بلادنا يشي بأنّ الأميركي يسارع الخطى للهروب منها.

وأفغانستان آخر مشهد من مشاهد الفرار.

الأميركي المهزوم استراتيجياً امام تحالف الشرق، يعمل جاهداً لتجميد المعادلة الشرقية الجديدة الصاعدة الى حين ترتيب أوراقه وإعادة تموضع قواته بما يتناسب مع مخططه الجديد المتمثل:

بإخماد الوهج الصيني ومنع تحالفاته الكاسرة للتوازن الدولي.

والانسحاب المتسارع من أفغانستان وإطلاق العنان للفوضى الأفغانية حتى وإنْ أدّت الى سيطرة طالبان على البلاد، ليس سوى مقطع طولي من مشهد إعادة التموضع الأميركي المهزوز…!

ولكن لماذا اكتسحت طالبان الولايات الأفغانية دون مقاومة!؟

العارفون بخصائص التحوّلات السياسية والاجتماعية والامنية والعسكرية الأفغانية يرون سبب ذلك في:

1 ـ عدم رغبة الشعب الأفغاني عامة بمن فيهم الجنود والضباط العاملون في خدمة الجيش الذي أعدّه ودرّبه وسلّحه الأميركان، في الدفاع عن حكومة دمية عميلة فاسدة لا جذور لها ولا قاعدة لدى الشعب الأفغاني..

2 ـ عدم ثقة المقاتلين الأفغان الأشداء في عقيدتهم القتالية بالقادة الجهاديين التاريخيين من كلّ الأقوام الأفغانية المعروفة، پشتون، طاجيك، هزارة، أوزبك، ووو…

3 ـ تعب عامة الناس من الاقتتال والحروب الأفغانية المستمرة منذ ما يزيد الخمسين عاماً، والتي أنهكت اقتصاد واجتماع ووحدة البلاد..!

4 ـ الرغبة الداخلية القوية لدى عامة الناس برؤية المحتلّ والغازي الأميركي يخرج مهرولاً ومذلولاً من بلاده أياً كانت النتائج الداخلية!

على هذه الخلفية الداخلية وأمور أخرى إقليمية ودولية سنأتي عليها، اكتسحت حركة طالبان الولايات الافغانية الواحدة بعد الاخرى بالمسدس والبندقية والآر بي جي… يعني دون حاجة لمدفعية او دبابات او مسيّرات او قوة جوية او صاروخية…!

أين هو موقع إيران مما جرى ويجري!؟

الإيرانيون المراقبون بدقة متناهية لكلّ خطوة يخطوها الأميركان في محيطهم، والذين كانوا قد وضعوا منذ فترة استراتيجية ضرورة هزيمة ورحيل الأميركان من كلّ غرب آسيا كأولوية قصوى وبأيّ ثمن كان، اعتبروا انّ الفرصة التاريخية باتت سانحة لرؤية الأميركي «يتمرمط» ويُذلّ وينكسر معنوياً ومادياً وهو يرحل من أحد عمودي فلسفة الغزو الأميركي لبلادنا منذ احداث أيلول/ سبتمبر المعروفة، ايّ أفغانستان، بانتظار سيناريو العراق قريباً…

ولما كان الروسي والصيني الحليفين لإيران في هذه الرؤية الاستراتيجية فقد كان تحالف الشرق هذا عملياً قد ساهم في ما بات يُعرف بالانتقال السلمي للسلطة ولو مؤقتاً من أشرف غني الپشتوني «الشديد الميل للأميركي» الى طالبان

«الپشونية الجهادية» المتساكنة مع الأميركان.

دون ان يحرك ايّ من الثلاثة وخاصة إيران أياً من حلفائه او أصدقائه او قدراته، بوجه الصاعد الأفغاني الجديد.

وهم القادرون على ذلك انْ أرادوا…!

بانتظار ان «تذهب السكرة وتأتي الفكرة»، وعندها لكلّ حادث حديث..!

ما يمكن أخذ العبرة منه الآن هو انّ محاولات واشنطن وحلفائها في الناتو، لجر الشعب الأفغاني الى الاقتتال او ما يسمى بالحرب الاهلية، كما محاولات إدخال داعش والقاعدة على خريطة هذا الصراع الداخلي الذي انتظرته واشنطن وبعض القوى الاقليمية وفي مقدّمها أنقرة، ومعها تل أبيب التي فتحت جسراً جوياً خلال مرحلة انتقال السلطة قد باءت بالفشل تماماً بفضل وعي الشعب الأفغاني وأخذه العبرة والدرس من الماضي، وحنكة وبعد نظر الدول المحيطة بأفغانستان، لا سيما ايران..!

وفي هذا السياق يعتقد متخصصون مطلعون بأنّ إيران التي لديها إشراف كلي سياسي أمني عسكري اجتماعي على الوضع في أفغانستان، ستكون هي الرابح الأكبر لما جرى ويجري في أفغانستان في هذه المرحلة الانتقالية.

اذ انّ إيران ستحصد نجاحاً مهماً لنموذجها المتمثل:

بأنّ الديمقراطية والنظام الديمقراطي ليس حكراً على الغرب، شرط ان لا تكون هذه الديمقراطية بضاعة مستوردة، او مصدرة، وإنما صناعة وطنية محلية بامتياز…!

وهو ما ينتظره أهل البصيرة من الشعب الأفغاني الأصيل والضارب في التاريخ الحضاري لشعوب منطقة غرب آسيا المتمدّنة حتى قبل تشكل أميركا!

بعدنا طيّبين قولوا الله…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى