مقالات وآراء

واشنطن ترسُم خطوط الدفاع بالعقوبات هل تريد تحجيم الحريري وباسيل وتعويم «الحراك»؟

} محمد حمية

لا يمكن فصل قرار العقوبات الأميركية الجديدة على النائب اللواء جميل السيد ورجلي الأعمال والمقاولات جهاد العرب وداني خوري عن تطورات المشهد السياسي والأمني والقضائي الداخلي. فالعودة إلى توقيت قرارات العقوبات المتعلقة بلبنان، تشير بوضوح إلى أنها غُبّ الطلب السياسي. فواشنطن بحسب خبراء في السياسة الأميركية تصنع ملفات العقوبات وتحفظها في «جوارير» وزارة الخزانة الأميركية ويجري اختيار التوقيت المناسب لإخراجها إلى العلن لكي تكون معدة كورقة ابتزاز ثم تفاوض في الصراع الدائر مع المحور الإيراني ـ السوري ـ حزب الله في أكثر من جبهة.

فرزمة العقوبات الجديدة بحسب ما يشير المطلعون على الوضع السياسي لـ «البناء» جاءت في توقيت تعجّ الساحة الداخلية بملفات ساخنة قضائية وسياسية وأمنية لا سيما حادثة الطيونة التي فرضت بقوة الضغط الشعبي والسياسي على القضاء التحرك لتوقيف المتورّطين في قتل المتظاهرين واستدعاء رئيس القوات سمير جعجع إلى مديرية المخابرات، فضلاً عن بلوغ ملف المحقق العدلي في قضية المرفأ القاضي طارق البيطار مرحلة حساسة وحاسمة تعطلت معها الحكومة بعد إصرار وزراء ثنائي أمل وحزب الله وتيار المردة على تنحية البيطار. فجاء قرار العقوبات ثلاثي الأبعاد والأهداف والرسائل، وشكل خطوط دفاع عدة حول جعجع وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمحقق العدلي في تفجير المرفأ، وفي الوقت نفسه تسديد ضربة موجعة لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ولكل من حلفاء التسوية الرئاسية الرئيس سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل قبيل أشهر قليلة من الاستحقاق النيابي. واللافت هو تزامن صدور العقوبات عشية حسم المجلس النيابي 27 آذار موعد الانتخابات النيابية.

وإلا لماذا أعلنت واشنطن عن عقوباتها الجديدة الآن فيما تمتلك هذه المعطيات منذ زمن طويل لا سيما أنّ بعض الإتهامات بالفساد تعود إلى أعوام 2016 (أزمة النفايات)؟ فهل تدخل الأميركيون بسلاح العقوبات لملاقاة وساطة البطريرك الماروني عبر جولته على الرئاسات بموازاة التدخل السعودي السريع عبر العقوبات على مؤسسة «القرض الحسن» وافتعال أزمة تصريحات الوزير جورج قرداحي لتأمين طوق النجاة لجعجع من حبل القضاء لا سيما أنه يُعدّ رأس حربة المشروع الأميركي ـ الخليجي في لبنان؟

وتضع مصادر مطلعة العقوبات الجديدة في إطار الضغط على قوى فريق المقاومة، وفي الوقت نفسه دعم مجموعات «الحراك المدني» التي تشحذ هممها لخوض الانتخابات بدعم مالي وسياسي أميركي وخليجي، بهدف إيصال «كوتا» نيابية صافية للأميركيين يستطيعون من خلالها التأثير على قرارات المجلس النيابي وفي انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف الحكومة الجديدة وبالتالي تغيير التحالفات النيابية القائمة والهوية السياسية للمجلس. وبالتالي العقوبات رسالة إلى مجموعات الحراك وما تبقى من 14 آذار سابقاً، بأنّ الأميركيين سيتحركون ضدّ أحزاب وقوى السلطة في ملفات الفساد لتحشيد وتشجيع الناخبين للتصويت ضدّ الأحزاب لصالح مرشحي الحراك.

وفيما ربطت المصادر بين استهداف النائب السيد لدوره في المعركة الدائرة ضدّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في اللجان النيابية وفي الإعلام والقضاء، تساءلت مصادر عن سبب عدم إدرج واشنطن لسلامة والمقرّبين منه على لائحة العقوبات؟ علماً أنّ وسائل إعلام أوروبية ولبنانية عدة كشفت معلومات عن شبهات حول قيام الحاكم سلامة ومقرّبين منه (رجا سلامة وماريان الحويك) في عمليات فساد من تحويل أموال إلى الخارج بعد 17 تشرين وإنشاء وشركات وهمية وغيرها؟

أما المقاول جهاد العرب المقرّب من الحريري، فتشير معلومات «البناء» إلى أنّ العرب أحد أهمّ المموّلين للحملة الإنتخابية للحريري وتيار المستقبل، ما يخفي قراراً أميركياً سعودياً بتصفية رئيس المستقبل انتخابياً وبالتالي سياسياً، بعدما تمّت تصفيته مالياً في السعودية مؤخراً. وتربط المصادر بين هذا القرار وبين ما نُقِل عن الحريري منذ أيام تهديده بعدم الترشح للانتخابات، فهل قرار العقوبات يهدف لإزاحة الحريري كلياً عن المشهد الانتخابي كمقدمة لإبراز مرشحين وقوى جديدة من «الحراك» على رأسهم شقيق سعد الحريري بهاء الحريري لملئ الفراغ في الساحة السنية؟

هذا الأمر بحسب المصادر يحمل رسالة سياسية سلبية مزدوجة للحريري من واشنطن والرياض، بتوجه لاستبداله بقوى أخرى تدين لهما بالولاء الكامل، ولا تتردّد في تنفيذ إملاءاتهما بعدما رفض «الشيخ» مراراً تنفيذ سياسات أميركية ـ سعودية تستهدف حزب الله وتؤدي إلى الفتنة المذهبية.

أما داني خوري الذي قِيل إنه مقرّب من باسيل رغم نفي الأخير ذلك، إلا أنّ رسالة العقوبات عليه تهدف إلى قطع الطريق على رئيس التيار الذي حاول «مسايرة» الأميركيين لرفع العقوبات عنه وإعادته إلى لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية، لكن يبدو أنّ الأميركيين مستمرّون بإضعاف باسيل لتحجيم التيار المسيحي الحليف لحزب الله في الانتخابات النيابية، وفي الوقت نفسه للضغط على رئيس الجمهورية ميشال عون المعني الأول بملف ترسيم الحدود الذي أُعيد إلى واجهة التفاوض بعد زيارة الوسيط الأميركي بيروت منذ أيام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى