أخيرة

مرّ هذا الرحيل..

} عبير حمدان

عرفت سماح إدريس بين عناوين «الآداب» في زمن الحبر الرزين حين كان احتراف الكتابة مسؤولية خارج إطار التطور بجانبه السلبي، حارس اللغة بكل تفاصيلها وحريص على إيصال فكره الثوري إلى أبعد مدى.

لاحقاً حاورته مرتين ولم أعد تلك الزائرة التي تبحث عن عناوين الروايات ربما لم أبلغ مرتبة الصداقة المباشرة لكن من يعرف الدكتور سماح إدريس لا تضيع بوصلته التي عنوانها الرئيسي «فلسطين» وهو المؤمن بأننا أصحاب قضية محقة ولا وجود للفشل في قاموس المعركة الكبيرة.

قبيل شهر كتب على صفحته «بنمشي وبنكفي الطريق» أرفقها مع صورة له في المستشفى حيث كان يتلقى العلاج، وهو المعتاد على المواجهة الذي حمل راية «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل» وناهض التطبيع بكل أشكاله الثقافية والفنية والاجتماعية ونجح في مقارعة المهرولين والمتخاذلين دعاة «السلام» إلا أن المرض قطع عليه الطريق.

قد يرحل الجسد ولكن الأثر الذي خلفه راسخ في وجدان كل من سيكمل الطريق، فهذه البلاد تستحق أن نحفظ وصايا المدافعين عنها بالقلم والفكر، هم لا يقلون شأناً عن من يحميها بالرصاص بل إن حضورهم أقوى في أكثر من موضع.

سماح إدريس الكاتب والمثقف الثائر والمناضل الذي تمكن من التغلب على سرطان التطبيع في كل المحافل والمناسبات غلبه مرض السرطان على غفلة من عمرنا المثقل بالكثير من التعب، رحل عاشق فلسطين ولم تزل رسائل أصدقائه ورفاق النضال تناجيه، تلك الرسائل تحولت إلى كلمات رثاء تخطت العالم الافتراضي لا بل تفوقت على التواصل الرقمي لتعود بنا إلى أولى كلمات التصدي الذي نادى به صاحب افتتاحيات مجلة «الآداب» التي تتناول التطبيع مع «إسرائيل» وسبل المواجهة، وآخرها حملت عنوان «ترف الإنتاج الثقافي المستقلّ».

بيروت ودعت الدكتور سماح إدريس وحزنها امتد إلى فلسطين التي كان يقول «لن أزور فلسطين إلا محررة»، في لقاء معه عام 2020 قال للبناء: «بسبب وجود جوّ إحباط كبير في العالم العربي في ظلّ صفقة القرن، ولكن نحن نقول من هنا وكحملة مقاطعة إننا قادرون على التصدي في مواجهة هذه الصفقة مع التصميم والإرادة والتحالفات الذكية مع كلّ المعنيين لبناء كتلة واحدة تقاوم المشروع الإسرائيلي.

وفي ما يتصل بالتربية نعمل على تصويب الأمور، لأنّ استراتيجيات المقاطعة مبنية على الإنجازات الصغيرة بعيداً عن الغوغائية، حين نؤمن بقضيتنا المحقة لا نفكر بالفشل على الإطلاق، لذلك لا نسمح لأنفسنا بالقول إنّ المعركة كبيرة ونعجز عن الفوز فيها، العجز مرادف لليأس ونحن لا نقبل به».

اليوم نقول له في حضرة الغياب مرّ هذا الرحيل بطعم أيامنا لكننا سنواصل المسير نحو فلسطين وسنلغي بدعة الحدود وسننتصر في وجه التسلل الناعم للعدو، هذا التسلل لن يمر والمقاومة فعل قائم بالكلمة والموقف والمقاطعة، الحزن الذي يغمر مدن المواجهة كبير لكنه لن يكسرنا بل سيقوينا.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى