رياضة

الحارس حسين طاهر… «الشيخ» الذي قهر «الملك» إتخذ من شبارو قدوة .. ورحلا معاً في زمن الكورونا

} ابراهيم موسى وزنه

لمرّة واحدة في تاريخه الكروي، ضيّع قائد فريق النجمة و»ملك» الكرة اللبنانية محمد حاطوم ضربة جزاء «بنالتي». كان ذلك في العام 1981 ضمن فعاليات دورة 16 آذار التي كان ينظّمها نادي الصفاء على ملعبه خلال الحرب الأهلية. بعد تلك «الصدّة» ذاع صيت الحارس الشاب الذي وقف سدّاً منيعا أمام النجماويين لتنتهي مباراتهم بالتعادل مع فريق شباب النبعة بنتيجة (1 ـ1).

إنجاز الحارس المغمور، آنذاك، وضعه في الواجهة، خصوصاَ أن وقفته في مواجهة أفضل مسدد «بنالتيات» في لبنان تصدّرت غالبية الصفحات الرياضية، و»حاطوم» نفسه أثنى على ادائه واسلوبه ويقظته تحت الخشبات متوقعاَ له مستقبلاً زاهراً في مركز حراسة المرمى.

من هو هذا الحارس الذي أربك «الملك»؟ ومن أين بدأ مسيرته؟ وما هي أبرز محطاته الكروية مع الأندية اللبنانية؟ هذا التقرير، هو بمثابة تحية وفاء للحارس الخلوق حسين طاهر الذي فارق الدنيا منذ سنة تماماً جرّاء معاناة قلبه المتعب مع ارتدادات كورونا… اليكم مسيرته الرياضية وسيرته الانسانية، علماً بأنني عايشته عن قرب بحكم مصاهرتي له وتعلّقه الكبير بابني حسن، هو الطيّب بكل معنى الكلمة … وللأمانة، بعد رحلة بحث ولقاءات مع رفاق عايشوه ولعبوا معه كانت هذه المحصّلة.

الشيخ الشجاع

منذ نعومة أظافره تعلّق حسين محمد طاهر(مواليد 1961) بلعبة كرة القدم، وهذا ما جعله مقصّراً في تحقيق رغبة والديه بأن يهتم بدروسه. باكراً، وجد نفسه في طليعة الهاربين من المدرسة، حيث لم يقوَ على الصمود بمواجهة الملاعب الرملية التي كانت تحيط بمنزل عائلته في منطقة الشياح الشعبية، ففي العاشرة من عمره إنتسب الى فريق المدرسة مختاراً مركز حارس المرمى، نظراً لشجاعته في مواجهة الخصوم من جهة، وقدراته الجسمانية وحبّه للقفز والطيران من جهة أخرى بالاضافة إلى تأثره بالحارس الراحل العملاق عبد الرحمن شبارو الذي سبقه بالوفاة بشهرين فقط، وكلاهما فارق الحياة بسبب تداعيات كورونا.

في العام 1975 استدعاه استاذه محمد جواد (لاعب الراسينغ في تلك الحقبة) للانضمام الى فريق أشبال النصر الذي كان يشرف على تدريبه، ولم تفسح الحرب الأهلية لحسين طاهر (المعروف بالشيخ) بالبروز مع الأندية الرسمية، فوجد نفسه كحال اترابه من الموهوبين متألقاً مع الفرق والأندية الشعبية، خصوصاً وأن الدورات الشعبية التي كانت تنظّم على ملاعب الضاحية الجنوبية في تلك الفترة، كانت حافلة بالمتعة والاثارة ومواكبة بشكل لافت من قبل كشافي الأندية الكبيرة.

عن تلك الحقبة يقول الشيخ الراحل في لقاء سابق معه: «تعاملتُ مع كرة القدم على أساس أنها مستقبلي فوجدتُ نفسي أترك المدرسة بشكل تدريجي على الرغم من عدم رضى الأهل عن هذا الموضوع». ثم يضيف معترفاً: «ظروف الحرب أبعدتني أكثر فأكثر عن التحصيل العلمي وأنا نادم على ذلك، وقد عملتُ على تدارك أخطائي من خلال أولادي».

التوقيع الأول مع التضامن بيروت

              ويكمل الشيخ حديث الذكريات، «بناء لرغبة الصديق علي العلي وقّعت على كشوفات نادي التضامن بيروت في العام 1977، لم أسل حينها عن الشق المادي بقدر اهتمامي بارتداء قميص فريق درجة أولى. أتذكّر أن العلي أهداني حذاءً كروياً و»اسبادرين» ووعدني بالسفر مع الفريق الى عدد من الدول … قبلتُ بالانضمام إلى التضامن على الرغم من معرفتي المسبقة بعدم مشاركتي كحارس أساسي، فأمضيت سنتين احتياطيا للحارس مصطفى حمدان شقيق رئيس النادي عفيف حمدان».

وخلال تواجده مع التضامن وظّفه عضو النادي ابراهيم صبح في محله المخصص لبيع قطع غيار السيارات في منطقة الغبيري، ولما شعر «الشيخ» بأن جلوسه على دكة الاحتياط في التضامن قد أدخل اليأس إلى قلبه، سارع إلى مطالبة رئيس النادي باعطائه الاستغناء لمصلحة نادي الحكمة الذي كان يلعب ضمن بطولات المنطقة الشرقية، وطبعاّ بعد قيام زميله عباس جواد بتعبيد الطريق أمامه جراء إصطحابه عدّة مرات للمشاركة في تمارين «الأخضر» على ملعبي مدرسة الحكمة في الأشرفية وفؤاد شهاب في جونية، الى أن فاتحه الكابتن إميل رستم بموضوع انتقاله، وبالفعل إنتقل حسين طاهر الى الحكمة في العام 1980 مقابل انتقال لاعبه ابراهيم أبو طعام  إلى التضامن بيروت.

نجم الملاعب الشعبية

                        كانت الدورات الشعبية تملأ الفراغ الكروي الرسمي الحاصل بفعل الحرب التي قطّعت أوصال الوطن، وخصوصاَ تلك التي كانت تنظّم في شهر رمضان في الشياح على ملاعب النصر والايمان والوفاء، وعلى ملعبي شباب الساحل في حارة حريك والتضامن بيروت ـ طريق المطار، وفي برج البراجنة على ملعبي التحويطة وحي بعجور، ومن هذه الدورات إنطلق حسين طاهرمع النصر ثم مع شباب النبعة، وبروزه مع الأخير جعله مطلباً للأندية ومنه عبر إلى نادي الحكمة كما ورد آنفاً في العام 1980، مع الاشارة إلى أنه اشترط على الحكمة توظيفه لمواجهة المستقبل بأمان، وبالفعل إلتحق ببنك بيروت والبلاد العربية في أواخر العام  1982 ، وبقي يعمل فيه حتى وافته المنية في شهر كانون الأول من العام 2020 ، وعلّق على هذا الأمر أمي أكثر من مرّة:»الحمدلله هذا ما ربحته من كرة القدم ولم أنس فضل الحكمة ورفيق عرموني في ذلك».

انجازات وذكريات مع الحكمة

                         حقق الحارس الراحل حسين طاهر مع الحكمة انجازات عدّة، أبرزها إحراز بطولة لبنان (أندية المنطقة الشرقية لبيروت) في عامي 1983 و1984، ويتذكّر مباراة العمر بمواجهة الراسينغ على ملعب برج حمود (1983)، وكشف طاهر في حينها، أن المباراة التي كانت منتظرة بين بطلي «الشرقية» و»الغربية» أي الحكمة والأنصار قد ألغيت في العام 1983 نتيجة إصرار اتحاد «الغربية» على إيقاف اللاعبين جان شهوان وجاك حداد، وهذا ما دفع بالحكمة إلى الاعتذار عن عدم خوض المباراة اعتراضاً منه على القرار. ويشير «العم الطاهر» إلى الدور الايجابي والفاعل للكابتن إميل رستم في ابقاء خطوط اللعبة مفتوحة بين شطري العاصمة على الرغم من الأجواء الأمنية والسياسية غير المؤاتية وغير المستقرة في تلك الفترة.

وشارك الشيخ طاهر «الملتزم» دينياَ مع الحكمة في ثلاثة معسكرات تدريبية في فرنسا، وكان قد شارك مع التضامن بمعسكرين في رومانيا، وهنا يعلٌق: «خلال السفر، كنت أعاني من الطعام كثيراً فأعود الى لبنان كمن خضع لريجيم قاسٍ، وذات مرة تلقّيت عرضاً من أحد الفرق الفرنسية لكنني لم أعلم به إلا بعد العودة الى لبنان من الكابتن إميل».

و عن علاقته برئيس نادي الحكمة الراحل انطوان الشويري والتي كانت قد أثارت جدلاَ وأحيطت بسيل من التعليقات الصحافية باعتبار أن الراحل كان داعماً ماديا لحزب «القوات اللبنانية» والشيخ حسين من مرافقي ومقلّدي المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله، أوضح الشيخ حسين: «لا أنكر أن للشويري بصمات بيضاء على الرياضة اللبنانية عموماً، ونادي الحكمة خصوصاً، فهو تميّز عن رؤساء الأندية بقربه من اللاعبين والتفاعل مع حياتهم الخاصة وكرمه الزائد على الرياضة والرياضيين» … ويبتسم طاهر عند استذكاره الحملة التي تعرّض لها من قبل الكثيرين من زملائه يوم ظهر في إحدى الصور مشاركا في حمل الشويري إثر صعود الحكمة الى مصاف الدرجة الاولى مجدداً في العام 1993، فيرد  مبرراً: «لطالما كان سماحة السيد رحمه الله يسألني عن نادي الحكمة وأحواله ونتائجه، كان يشجعني على الاخلاص له واللعب بمسؤولية من دون الالتفات إلى ثرثرة الإعلاميين وغيرهم».

وتأكيداً على إخلاصه للحكمة، عمل الشيخ طاهر على استلام مهمة تدريب حراس المرمى في الحكمة بعد اعتزاله اللعب في العام 1992، وكان قد أشرف على تدريب الحارس ربيع حنيني، وكم آلمه في تالفترة الأخيرة التحوّل الحاصل في تعاطي اللاعبين مع اللعبة الشعبية إضافة إلى تراجع المستوى الفني بشكل عام.

ومن ذكرياته مع «الأخضر»، يقول: «في مطلع العام 1982 حضر إلى ملعب برج حمود مؤسس حزب الكتائب بيار الجميل لحضور اللقاء الختامي لكأس أندية المنطقة الشرقية بين الحكمة والراسينغ، وأثناء مصافحته اللاعبين على أرض الملعب، قال لي: أنا الشيخ بيار وأنت؟ فأجبته: وأنا الشيخ حسين طاهر، فسارع إلى وضع يده فوق رأسه وقال: على راسي يا شيخ الحراس».

موسمان مع النجمة

مع إستفحال الانقسام الحاصل في العاصمة، ولما صعبت على الحارس «الطاهر» مهمة المواظبة على الانتقال الى الجهة الشرقية من العاصمة بيروت، أخذ الشيخ حسين الاستغناء الرسمي من الحكمة منتقلا إلى النجمة في العام 1987، وجاء ذلك إثر التنسيق بين عرّابي الناديين الراحل سمير العدو والكابتن إميل رستم، ومع النجمة لعب لموسمين لكنه لم يشارك فيهما إلا قليلا نظرا لجلوسه على مقاعد الاحتياط منتظراً الحلول مكان العملاق مصطفى زبيب. ولما زالت خطوط التماس بين «البيروتين» عاد أدراجه إلى الحكمة فلعب لموسم واحد قبل أن يعتزل وينتقل إلى ميادين التدريب.

خلاصة … وإخلاص

أخلص حسين طاهر للكرة ومنها عبر الى وظيفة كانت مصدر عيشه الكريم لأكثر من 38 سنة، وأخلص لنادي الحكمة حتى الرمق الأخير من أنفاسه، إذ كان يتصل برفاق تلك المرحلة الرائعة من حياته ، وخصوصاً بالثلاثي إميل وطوني رستم ورفيق عرموني، ويبقى إخلاصه الكبير للمرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله، حيث عمل في مكتبه لأكثر من 32 عاماً دون كلل أو ملل. يؤمن حسين طاهر بأن الرياضة رياضة والسياسة سياسة والفصل بينهما واجب وضروري ولا يجوز الخلط بينهما، وهو لم يكسب كثيراً من المال جراء مسيرته الكروية لكنه مقتنع بأن الكرة عرّفته على الكثير من الأصدقاء «وهذا هو الكنز الثمين».

بطاقة شخصية

                     حسين محمد طاهر.

ـ تاريخ ومحل الولادة: الشياح ـ 7 كانون الأول 1961.

ـ تاريخ الوفاة : 28 كانون الأول 2020

ـ الوضع العائلي: متأهل من ليلى دبوس وله منها أربعة أولاد، علي وزينب وفاطمة ومحمد.

ـ الفرق التي لعب معها: النصر، التضامن بيروت، شباب النبعة، الحكمة والنجمة.

 ـ عمل في بنك بيروت والبلاد العربية لمدّة 38 عاماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى