مقالات وآراء

بيئة المقاومة جردة حساب

} خضر رسلان

فرضت المقاومة نفسها بقوة على الساحة السياسية اللبنانية على مدى أربعة عقود وقد اكتسبت شرعيتها المحلية والإقليمية عن طريق المقاومة للاحتلال «الإسرائيلي» خاصة بعد اجتياح بيروت عام 1982، وتوّجت إنجازها السياسي والعسكري بإجبار الصهاينة على الاندحار من معظم الجنوب والبقاع الغربي في أيار من العام 2000.

انتصار المقاومة عام 2000 وما تلاه كان مدخلاً للنقاش الذي جرى في إحدى حلقات الحوار، حيث كثرت التساؤلات لدى الكثير من الفئات الشعبية التي تنتمي الى بيئة المقاومة، وقد جرى هذا اللقاء في مناسبة تقديم عزاء في إحدى القرى المتاخمة للكيان الصهيوني بحضور أحد الوجهاء المثقفين والذي لا ينتمي رسمياً الى المقاومة، ولكنه في موقع من يستطيع أن يشرح وجهة نظرها.

اللقاء كان صاخباً ودسماً، أسئلة متنوعة تناولت مسيرة حزب الله والمقاومة وإنجازاتها وتضحيات مجاهديها والتي قوبلت من قبل العديد من الشركاء في الوطن بكثير من الإجحاف، بل وصفها البعض بالجحود، وأبرز النقاط التي اثيرت وتمّت الإجابة عنها من قبل الضيف كانت التالي:

1 ـ تحرير لبنان عام 2000

يمثل تحرير الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال الصهيوني أوّل انتصار مكتمل الوصف للمقاومة ضدّ العدو الصهيوني، وهزيمة مدوية له، وهذا التوصيف يعني أنّ ميزان القوى التقليدي تغيّر لصالح العرب والمسلمين، وهذه المعادلة الجديدة في ميزان القوى حققتها المقاومة الإسلامية في لبنان، ورغم هذا الإنجاز غير المسبوق تعاطت المقاومة مع الأمر بتواضع كبير ولم تحاول تثميره بمكاسب داخلية مع أنه كان متاحاً لها ذلك بل انها لم تحتكره لنفسها بل اعتبرته انتصاراً لكلّ لبنان بلسان سيد المقاومة وتوّجت إنجازها بتقديم نموذج فريد لم تستطع المقاومة الفرنسية تقديمه وهو الحفاظ على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة حتى انّ العملاء الذين أذاقوا شعب المقاومة الويلات جعلت زمام أمرهم بيد القضاء اللبناني.

ـ فشل عدوان تموز مهّد للمشروع التكفيري

أ ـ عدوان تموز

رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، عاموس يدلين، خلال عرض كان يقدّمه أمام وفد من لجنة الاستخبارات في الكونغرس الأميركي قال انّ الهدف من حرب تموز هو تغيير توازن الردع مع لبنان وحزب الله، مضيفاً إنّ الحكومة «الإسرائيلية» لديها أيضاً هدف تفتيت الأسطورة الشخصية لزعيم حزب الله (السيد) حسن نصر الله، بما في ذلك (ادّعاؤه) أنه هزم «إسرائيل» وأنه حامي لبنان.

 تمّ نتيجة المواجهات تعزيز معادلة الجيش والشعب والمقاومة وأنّ الجيش «الإسرائيلي» هو كما قال قائد المقاومة أوهن من بيت العنكبوت، وهذا ما ساعد في تثبيت أبناء الجنوب والبقاع الغربي في أراضيهم والاستفادة من حقولهم وأرزاقهم.

أعاد الانتصار إلى المواطن العربي الإحساس بالعزة والكرامة، وأسقط كلّ مبرّرات وذرائع الأنظمة العربية التي وقعت اتفاقات صلح مذلة مع العدو، بذريعة عدم القدرة على تحرير الأرض عبر القوة العسكرية. وكشف عورات الحكام الذين تنصّلوا من المقاومة ووصفوها بالمغامرة، وهذا الأمر أسس للتوجه من قبلهم الى الخطة باء المتمثل بالغزوات التكفيرية

ب ـ نجاح المشروع التكفيري نهاية الكيان اللبناني

انّ أكثر ما اثار المتحاورين وبدأوا بطرح أسئلتهم حينما بادر الضيف الى شرح دور المقاومة في إسقاط المشروع التكفيري ذي الفكر الوهابي والمدعوم أميركياً والذي كان المُراد منه إعادة رسم خريطة المنطقة وفق وقائع جديدة يتمّ خلالها إزالة آثار تقسيمات سايكس بيكو وبالتالي إنهاء الكيان اللبناني، فضلاً عن تذويب تنوّعه الطائفي وفق معايير معروفة تدخل ضمنها تصنيفات العبيد والجواري…! عند هذه النقطة بدأ الحديث الصاخب الذي لا تخلو منه الكثير من المجالس المحسوبة على بيئة المقاومة الذين حسب وصفهم أصابهم الذهول من حالة الإنكار والجحود التي أصابت شريحة كبرى من القوى اللبنانية التي تعلم علم اليقين بأنّ استمرار وجود الكيان اللبناني يعود الفضل فيه فقط وحصراً لتضحيات المقاومين.

ثم تشعّب الحديث الى عناوين كثيرة يتمّ التداول بها بشكل يومي بدءاً من سلاح المقاومة مروراً بالانتخابات النيابية وقانون الانتخاب، ومن ثم موضوع الاستنسابية في الشراكة الوطنية الى الركون والخضوع للإملاءات الخارجية، وصولاً الى الواقع الاقتصادي وما يتفرّع منه من عناوين مثل حماية حاكم مصرف لبنان وملفات الفساد.

أ ـ سلاح المقاومة: أحد الحاضرين من سكان إحدى القرى الحدودية كان حاداً حينما تطرق الحديث الى سلاح المقاومة مستهلاً كلامه بالتصويب على من يعتبر نفسه صاحب فضل بأنه يحمي سلاح المقاومة أو يعطيها شرعية أو يرفض عزلها، والحقيقة ونحن أبناء هذه القرى لم نعرف الأمن والأمان والعيش بكرامة والعنفوان إلا في ظلها، فضلاً عن انّ لبنان بكله بما فيه لا يُرى عند القوى الخارجية إلّا من خلال وجود هذه المقاومة التي بفضلها حالياً نتثبّت في أرضنا ونمنع العدو «الإسرائيلي» من سرقة مياهنا ونفطنا وغازنا.

ب ـ الاستنسابية في الشراكة الوطنية: في هذا العنوان كان الحديث حاداً حيث أشار أحدهم الى أنه في الوقت الذي قبلت فيه المقاومة بعدم إدراج سن الثامنة عشرة لمن يحق لهم التصويت في الانتخابات النيابية، إضافة الى قبولها بانتخابات المغتربين خلافاً لمصلحتها الانتخابية لأنه لا يوجد تكافؤ للفرص والحرية في الاقتراع، وذلك حرصاً على تبديد هواجس الشركاء في الوطن. في المقابل لم يتمّ الأخذ بهواجس الشريك في الوطن حينما أعرب عن ارتيابه وتوجسه من سلوك القاضي العدلي طارق البيطار.

ج ـ حاكم مصرف لبنان ومكافحة الفساد: رفض الحاضرون كلّ أنواع الحديث عن تغاضي المقاومة عن مكافحة الفساد بالإشارة إلى أنها قامت بإنجاز ملف كامل وحوّلته الى القضاء الجهة المخوّلة بالأمر، وقد أشار أحدهم إلى أنّ التصويب على جهة بعينها لإحراج المقاومة أمر لا يجدي، فالفساد منظومة كاملة منبعها هذا النظام الفاسد، أما في موضوع الحاكم فقد أبدى أحد الحاضرين استهجانه من تكرار التصويب على الرئيس بري في حمايته وإغفال ذكر الخط الأحمر الذي رفعه البطريرك بشارة الراعي رافضاً إقالته مشيراً الى أنّ المقاومة غير منقادة الى رئيس المجلس النيابي بل تقدّر المصلحة وفق الظروف المناسبة، ودليل ذلك إصرارها على انتخاب الرئيس ميشال عون خلافاً لرغبة الرئيس نبيه بري.

عناوين أخرى تمّ التطرق لها مثل الخضوع للإملاءات الأميركية المسؤولة عن الانهيار الاقتصادي في لبنان من خلال دعمها المزمن للطبقة الفاسدة فضلاً عن تطبيقها عقوبات وحصار ظالم، ومن جهة أخرى الازدواجية في التعاطي بين دولة خارجية ومكوّن شريك في الوطن، ففي حين يتمّ إجبار وزيرين على الاستقالة ويتمّ تصنيف حزب الله إرهابياً من قبل هذه الدولة دون ان يرفّ جفن لأي «سيادي» نراهم متنطّحين للردّ المباشر في حال تمّ التذكير بأفعال «مملكة الخير»!

في نهاية المطاف أجمع الحاضرون على انّ الداء الأساسي يكمن في بنية هذا النظام الذي لا بدّ من إعادة النظر في مندرجاته بما يتوافق مع مقتضيات العصر، موجهين نداء الى قيادة المقاومة يختصر الكثير مما يدور في أذهان بيئة المقاومة «كفى تواضعاً»… عبارة أنهت به هذا الحوار.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى