مقالات وآراء

حين تتحوّل الأحلام إلى حقائق

‬ معن بشور

مع وصول صاروخ عراقي إلى ميناء حيفا في عيد تأسيس الجيش العراقي، وأرضنا المحتلة تشهد لصواريخ العراق وجيشه جرأتها في أكثر من مناسبة، أعادت بي الذاكرة إلى اجتماع «تاريخي» شاركت فيه مع أخي ورفيقي المحامي خليل بركات في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت في حزيران/ يونيو 1992، مع وزير خارجية إيران آنذاك الدكتور علي أكبر ولايتي.
كان الاجتماع مخصصاً لقادة الأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية، وحضره إلى سماحة السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله المنتخب حديثاً بعد استشهاد الأمين العام السيد عباس الموسوي في 11 شباط/ فبراير 1992، كل من الوزير آنذاك الأستاذ نبيه بري والوزير آنذاك أيضاً الأستاذ وليد جنبلاط، والشهيد جورج حاوي، والراحل الأستاذ إنعام رعد، والأستاذ عبد الرحيم مراد، والراحل الأستاذ عبد الله الأمين، والأستاذ منير الصياد وآخرون.
قبيل الاجتماع المذكور كانت بعض وسائل الإعلام اللبنانية قد أشارت إلى أنّ زيارة ولايتي إلى بيروت تتعلق بالطلب إلى حزب الله أن يتحوّل من حزب مقاوم إلى حزب سياسي، لا سيّما في ظلّ المتغيّرات الكبرى في المنطقة والعالم، وأبرزها انهيار الاتحاد السوفياتي، والحرب الأولى في الخليج التي ضمّت 33 دولة ضدّ العراق، ومؤتمر «مدريد للسلام»، بما بات يؤكّد وكأنّ عصر المقاومة قد انتهى وبدأ عصر جديد مع نظام عالمي جديد كلمة الفصل فيه لواشنطن.
اغتنمت فرصة اللقاء بالمسؤول الإيراني الكبير لأستفسر منه عن صحة ما يذكره بعض الإعلام وما تحمله بعض الكواليس من أخبار لأقول له: «ربما يُقال لكم إن حزب الله، وهو حزب مقاوم، وأنّ عصر المقاومة قد انتهى فنحن في عصر جديد وعالم جديد، ولكن أقول لكم إنّ حزب الله ليس جزءاً من مرحلة وصلت إلى نهايتها، بل أقول لكم إنه من طلائع مستقبل واعد تزداد أهميته فيها مع الأيام..
وأضفت قائلاً، إننا من مدرسة فكرية وسياسية ترى أنّ مواجهة المتغيّرات السلبية الراهنة في الإقليم وعلى المستوى العالمي، وأنّ الطريق إلى قلب الطاولة على أعداء الأمّة، تكون ببناء جبهة ممّتدة من القدس إلى طهران مروراً بجنوب لبنان وسورية والعراق، وأنّ عملنا يجب أن ينصبّ على بناء هذا المحور وتجاوز كلّ الصراعات والتباينات القائمة بين أطرافه، وهي تبدو ضرورية حتى اليوم إغلاق كل ثغرة يمكن لأعدائنا النفاد منها.
لم تكن تلك الدعوة دعوة فردية، بل كانت دعوة يطلقها المؤتمر القومي العربي منذ تأسيسه عام 1990، ويسعى عبر اتصالاته بكافة الجهات المعنية إلى إزالة كلّ الحواجز في وجهها، وربما نجح جزئياً يومها من خلال تحسّن نسبي في العلاقة بين بغداد ودمشق على خلفية كسر الحصار الإجرامي على العراق، كما بين بغداد وطهران حيث جرى تبادل الزيارات بين مسؤولين عراقيين وإيرانيين، وفي مقدمهم الوزيران آنذاك ناجي صبري من العراق، وكمال خرازي من إيران.
واليوم ونحن نرى هذا التحالف يبرز مساهماً عسكرياً وسياسياً وإعلامياً في ملحمة «طوفان الأقصى»، وقد أضيف إليه الدور اليمني الشجاع، يتأكّد لنا أنّ كثيراً ما نراه أحلاماً يتحوّل إلى حقيقة إذا كان هناك إرادة وراءه، وأنّ بطولات المقاومين في غزّة والقدس والضفة وجنوب لبنان ومدمّرات اليمن وصواريخ العراق وتضحيات دمشق وانتصار الحركة الشعبية العربية والإسلامية والعالمية لفلسطين سيسهم في تغيير الكثير من المعادلات ليصبح تحرير القدس أقرب إلينا من أيّ وقت مضى، ووحدة الأمّة والإقليم هما الطريق الوحيد لتحرير فلسطين ونهضة الأمّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى