أولى

قرار أكبر من وزير ومن حكومة

المبدأ الذي لا خلاف عليه هو أنه لا يجوز إعطاء أي انطباع بأن ثمة مَن وما هو فوق القانون، لكن التصرف الأرعن للمسؤول يأخذ الأمور نحو هذه الوجهة عندما يضرب بعرض الحائط عناصر تتصل بهوية لبنان وصيغته التوافقيّة وثوابته الكبرى، ولذلك مثلا هل يملك أي رئيس أو أية حكومة أو أي وزير اتخاذ قرار بلقاء وزير أو رئيس من حكومة الاحتلال، أو بالانتقال إلى التفاوض المباشر في ترسيم الحدود البحريّة، أو بإقفال قناة تلفزيونية او صحيفة، حتى لو تمت مراعاة كل الشكليات القانونية لاتخاذ القرار؟

الحملة الحكوميّة التي يتصدّرها وزير الداخلية لاسترضاء حكومات الخليج وحكومة البحرين بصورة خاصة تندرج تحت هذا العنوان، رغم توصيفها السياسي كترجمة لقرار له خلفية قانونية هي عدم الإساءة لعلاقة لبنان بالدول الأجنبية.

أول مقتل للقرار هو أنّه يعبر عن استنساب لا يمكن ستره، فهناك إساءة متمادية منذ سنوات تستهدف الدولة الوحيدة التي ورد ذكرها في اتفاق الطائف الذي صار دستوراً، واصفاً العلاقة بها بالمميزة، وهي سورية، ورغم ذلك كانت ذرائع الصمت المتمادي حكومياً وقضائياً الاستناد الى مقولة صحيحة، رغم المبالغة في استخدام بذيء ومفرط لها، والمقولة إن لبنان شكل تاريخياً ملاذاً للفكر الحر، ومنبر المعارضات في دول المنطقة، وملجأ المثقفين والسياسيين العرب الذين غادروا بلادهم خشية القمع، فكيف تبيح الحكومة لنفسها فجأة السعي لفرض صورة ونموذج للبنان مغاير لكل تاريخه، خصوصاً عندما يكون العالم كله شاهداً على القمع الوحشيّ لشعب البحرين، وعندما تحفل عواصم العالم وبرلماناته وصحفه وهيئاته الحقوقية بالأنشطة التضامنية مع مظلومية الشعب البحريني؟

الأمر الأشد خطورة الذي لا يمكن تقبل ولا تفهم مسعى الحكومة لتجاوزه، هو أن الحكم في البحرين بات جزءاً من منظومة التطبيع مع كيان الاحتلال، ولبنان تحت منظار التصويب واستهداف من هذا الكيان، ومن غير الجائز الخلط بين عنواني السعي لعلاقة حكوميّة جيدة مع كل الحكومات العربية بما في ذلك حكومة البحرين، وهذا لا يعترض عليه أحد، وبين الحرص على بقاء صوت لبنان مرفوعاً وعالياً في رفض هذا الانتهاك الخطير لما توافق عليه العرب في قمة بيروت عام 2002 لجهة ربط أي تطبيع باستعادة ما تم التوافق على اعتباره الحقوق العربية، وفي طليعتها الانسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي المحتلة، ومنها أراض لبنانية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ولبنان يقارب الأمر بخصوصيّة وجوديّة تتصل برفض التوطين.

هناك قضية مبدئية يجب تأكيدها هنا، ويجب على الحكومة أن تنتبه لخطورتها، وهي أن “إسرائيل” التي أصرّت في مفاوضات اتفاق 17 أيار على تضمين الاتفاق نصاً تتعهد بموجبه الحكومة اللبنانية بمنع أي أنشطة مناهضة لاتفاقيات السلام التي توقعها “إسرائيل” مع الدول العربية، قد أصرت على تضمين اتفاقيات التطبيع نصوصاً تتضمن تعهدات موازية بالتعاون لمواجهة ومنع أية أنشطة تستهدف هذه الاتفاقيات ويعتبرها الطرفان الموقعان عنفاً كلامياً بحق “إسرائيل”. فهل يقوم لبنان بتطبيق فقرة من اتفاق 17 أيار بعدما أسقط الاتفاق قبل سبعة وثلاثين عاماً؟ وهل ينتبه لبنان الى أن الضغط الخليجي هو في جزء منه تلبية لطلبات إسرائيلية لفرض الإملاءات على لبنان لكمّ الأفواه التي عجز عن النيل منها باتفاق 17 أيار؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى