حديث الجمعة

حلب – سوق الجوخ

 يقع سوق الجوخ داخل سوق المحمّص، جهة اليسار.

يُصعد إليه بثلاث درجات، وندخل إليه عبر قنطرة جميلة تعطيه خصوصية وتفرّداً.

يمتاز هذا السوق بسعته وانتظام محاله،

ويحوي هذا السوق على (٤٠) محلاً تجارياً موزعاً على كلا الطرفين تعلوها عدة شبابيك تطل على هذا السوق، وهي تابعة لخان العلبية جهة اليمين، وأخرى لقيسرية العلبية جهة اليسار.

ينتهي السوق عند خان العلبيّة الملاصق له من الجهة الشمالية، وعند سوق الحمّام الذي يقع أمامه مباشرة.

سقف السوق هو حجري مقبب، تتوسّط كل قبة نافذة مربعة الشكل، تسمح بدخول الهواء وأشعة الشمس إليه.

سمّي بسوق «الجوخ» لأن البضاعة المطروحة داخله هي قماش الجوخ.

وهو نوع من أنواع القماش الذي يصنع من الصوف الطبيعي،

ويتصف بأنه من الأقمشة ذات الأنواع المتعددة، حيث يعتبر نوعاً من أنواع اللبّاد، ويُعد اللبّاد نوعاً من أنواع الأقمشة الأقدم في التاريخ.

تم إيجاده منذ حوالي ثمانية آلاف سنة، واستخدمه الإنسان استخداماً كبيراً منذ ذلك الزمن في صناعة أنواع الفرش المختلفة والأغطية والأحذية كما يدخل في صناعة الخيام والسجّاد وصناعة الملابس الخارجية القديمة كالقنباز وصناعة الطربوش الأحمر، وهو قبعة حمراء اللون تغطي الرأس يلبسها الرجال، كما يدخل في صناعات أخرى.

ويعتبر قماش الجوخ من الأكثر استخداماً لكونه سهل القص وسهل التشكيل ولا ينسل كما يتصف بثبات خيوطه.

اكتشف الجوخ قديماً من قِبل شخص كان رحالاً في الصحراء، وكان حينها يسير حافياً على الرمال الحارة،

لجأ هذا الرجل لاستخدام قطعة من الصوف ولفّها وصمّغها على قدميه وكأنّها حذاء حتى تقيه الحرّ الشديد، وبعد مسيره بها لفترة من الزمن لاحظ أنها أصبحت كقطعة واحدة من القماش.. وهكذا بدأت صناعة الجوخ واستخدامه في العديد من الصناعات،

حيث بدأ صانعو القماش بالاهتمام بهذا النوع بسبب ما يتميز به من خصائص متعددة لا توجد في الكثير من الأقمشة الأخرى.

ازدهر هذا السوق ببضائعه عبر الزمن، فبعد أن كان تجاره قديماً يستوردون قماش الجوخ من انكلترا،

أصبح تجاره الحلبيون يصنعون الجوخ المحلّي، من خلال ماكينات نول قديمة «فتح» أي متسطحة.

ثم تحولت الصناعة اليدوية من النول البلدي إلى ماكينات ذات صنع محلّي تُغزل من خلالها الخيوط الصوفية الطبيعية، منها ما يُصبغ قبل الغزل ومنها ما يُصبغ بعد الحياكة.

وبعد أن بدأ استخدام الكهرباء إلى حلب عام 1924م.

قام التاجر (سامي صائم الدهر) وهو من مواليد مدينة حلب عام 1897 م بزيارة فرنسا،

واطلع على الآلات الحديثة هناك وطريقة العمل عليها، واحضرها معه لسورية بدلاً من الأنوال اليدوية القديمة المستخدمة آنذاك، وعمل على تأهيل النسّاجين التقليديين في حلب للعمل عليها.

تخصص معمله بصناعة نسيج الساتان والكريب والجورجيت وهي من الحرير الصناعي، كما صنع المنسوجات القطنية والصوفية.

وبعد ان نالت سورية استقلالها عام 1946، وبعد عام 1961م. خلال فترة الوحدة مع مصر.

قام الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم معامله وباقي المعامل التي اشتهرت بالنسيج،

فقد طال التأميم حينها «23» شركة، منها شركة الحاج أحمد الططري وأولاده،

فقد كان قماش جوخ الططري أفضل من الجوخ الإنكليزي.

وفي السبعينيات من القرن المنصرم..

ازدهرت صناعة النسيج، وكان سوق الجوخ معظمه لأصحاب معامل الجوخ الذين كانوا يروّجون من خلاله لمنتجاتهم عبر عرض مساطر من الأقمشة لبيعها بالجملة أو بالمفرق كقماش الأطقم الرجالية الرسمية التي كانت حينها تتناسب مع معظم المناسبات، وكانت مطلوبة ومرغوبة جداً داخل سورية وخارجها.

ومع مرور الزمن أصبحت تلك المعامل تصنّع جميع أنواع الأقمشة (كالساتان والجاكار وأقمشة المفروشات والستائر).

وأصبحت تُطرح في هذا السوق، منها ما يصدّر إلى بعض الدول العربية والأوربية.

من بعض أسماء تجار صناعة الجوخ «العبجي» للأطقم الرجالية.

تبوأت حلب مكانة رفيعة في مجال الصناعة والتجارة وإنعاش الاقتصاد بفضل عراقتها ودورها الحيوي ضمن مختلف المجالات..

وازدهر هذا السوق كباقي أسواق المدينة القديمة في حلب إلى أن جاءت الحرب اللعينة عام 2012 م، فقد قام الإرهابيون بحرق ونهب هذا السوق، وبقي على وضعه الحالي حتى بعد تحرير حلب عام 2016 م.

آملين ترميمه وعودة الحياة إليه من جديد.

وتبقى مدينة حلب بأسواقها العريقة سنديانة تشامخ المحال.

وفاء شربتجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى