مقالات وآراء

أيها الناخب «صوتك» غالٍ جداً لا تعطه لمن لا يستحقه…

} علي بدر الدين

انتهت «همروجة» الترشيحات إلى الانتخابات النيابية الموعودة، حيث «فاضت» أرقام المرشحين إلى أكثر مما هو متوقع، خاصة أنّ العشرات منهم لا يزال يراهن على تأجيلها إلى موعد لاحق، لأسباب داخلية كثيرة لا تعدّ ولا تحصى، منها الأمني والاقتصادي والمالي والاجتماعي والمعيشي والخدماتي، التي هي ولّادة الفقر والجوع والبطالة، ومحرّضة على رفع صوت الشعب وتمرّده وانتفاضته ضدّ منظومة سياسية ومالية حاكمة، ومنها ما هو خارجي حيث ربطت هذه المنظومة مصير استحقاقاتها الانتخابية والدستورية بقرار الخارج الدولي والإقليمي، أضيف إليها الحرب الروسية الأوكرانية الأوروبية الأميركية، وتطوراتها ومدى تأثيرها وانعكاسها على المنطقة ولبنان، وهذا أمر حاصل فعلاً، عسكرياً واقتصادياً وعلى مستوى ارتفاع فاتورة النفط والغاز، غير أنّ هؤلاء خافوا من أن يغدر بهم قطار الانتخابات ويقلع من دونهم، فركبوا موجة الترشح، وهو حقّ طبيعي لأيّ مواطن وقد كفله له الدستور اللبناني والقانون وتشريعاته.

بعد أن وقف كلّ مرشح في صفه، وأنجز الخطوة الأولى في رحلة البحث والتعب لدخول «الجنة» البرلمانية، عليه عبور الخطوة الثانية التي هي الأهمّ فعلاً بالنسبة له، وتتمثل باللائحة الانتخابية القوية الحضور، والنفوذ السياسي والشعبي والسلطوي، التي ستحمله على أجنحتها وبأصوات ناخبيها الكثر إلى الندوة النيابية، أو اختيار اللائحة التي تمثل قناعاته السياسية، ولو كانت محاولة منها لمقارعة لوائح الأقوياء، رغم معرفتها بعدم تكافؤ الفرص والأحجام والأوزان بينها، وان أخصامها يملكون المال والنفوذ والسلطة والقرار، ولكن لا بدّ لها من خوض المعركة الانتخابية، بالإمكانيات المتاحة، لأنها على ما يبدو تراهن على الشعب ليقول كلمته، ويعطي «صوته» لمن هم من خارج المنظومة السياسية منذ أكثر من ثلاثين سنة، ولم ينتجوا سوى الصراعات والمعارك والفتن المتنقلة، والتحريض، وممارسة الفساد بكلّ أشكاله وأنواعه، وعقد الصفقات المشبوهة والتحاصص ونهب المال العام والخاص، وإفقار اللبنانيين وتجويعهم وتهجيرهم وإذلالهم.

الرهان على الشعب المسكين أقله في هذه المرحلة أو هذه الدورة الانتخابية ساقط سلفاً، لأنه لم يتخلص بعد من طوائفيته ومذهبيته وعصبياته وغرائزه ومن جلابيب أولياء نعمته، حتى لو فعلوا به أكثر مما يفعلون، وهو يدرك انّ التغيير عادة يحتاج إلى صبر وتضحيات ونفس طويل، وصدق في الرؤية والتوجهات وفعل إيمان بالوطن والناس، بمنأى عن المصالح الضيقة والرهانات الخاطئة وعدم ترجمة الأقوال بالأفعال.

غربلة المرشحين وجوجلة الأسماء وتركيب اللوائح التي تمّ أنجاز بعضها، وباتت معروفة التحالفات منها المعمّدة بالموقف السياسي الموحد، ومنها ما فرضته الظروف الانتخابية وتحالفات القوى السياسية الأخرى، ومنها ما هو آني ومؤقت وعابر وعلى مستوى منطقة، وبعد الانتخابات يعود كلّ فريق إلى متراسه وخطابه، ويبقى المرشحون الفرادى الذين لم يجدوا مكاناً لهم في باص ولا في بوسطة ولا في قطار، لأنهم لم يحسبونها جيداً قبل اتخاذ قرار الترشح ودفع تكاليفه ورسومه، فخسروا بذلك أموالهم وحضورهم وطموحهم وتحوّلوا إلى «أيتام على مآدب اللئام».

الصخب السياسي والطائفي والمذهبي والإعلامي، والخطابات النارية العالية السقف، ستواكب الوصول إلى مرحلة الانتخابات الأخيرة، التي ينتظرها المرشحون والمراهنون وقوى الداخل والخارج، بفارغ الصبر وعلى أحرً من الجمر، لمعرفة نتائجها وإلى مَن ستؤول إليه موازين القوى والغلبة، لأنه «على الشيء يُبنى المقتضى» في السياسة والسلطة والقرار.

وهل سيحصل خرق في هذه المنطقة أو تلك، وما مدى حجمه، وفي أيّ طائفة ومذهب، وماذا عن نسبة المقترعين، هل هي متدنية أو مرتفعة، وفي أيّ منطقة ومن أيّ طائفة، لأنّ حجمها يعني الكثير للبعض المتربص، الذي يراهن على متغيّر ما في نتائج الانتخابات، لتوظيفه واستثماره سياسياً في مفاوضات ما ومكان معيّن.

من دون مقدمات، ورهانات وتوقعات يرغب فيها البعض ولا يريدها البعض الآخر من الداخل والخارج، فإنّ المعطيات المكشوفة والمستورة برأي المهتمّين والمتابعين لمسار الانتخابات النيابية، أنّ القديم باق على قِدمه، وإنْ تغيّرت بعض الأسماء في هذه اللائحة أو في هذا التحالف، مع استثناءات خرق محدود في مناطق تخوض معارك انتخابية حامية الوطيس، لن تؤثر على الواقع السياسي والسلطوي الحالي، ولا في المرحلة المقبلة، التي ستشهد استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ولكن أمام كلّ هذا الضجيج، وقرع الطبول ودق الأجراس، وإطلاق الخطابات الرنانة الحارقة المكرّرة والممجوجة، والوعود التي لم ينفذ منها إلا ما يخدم المنظومة السياسية ومكوناتها، وأعادت إطلاقها على أبواب الانتخابات استغباء للشعب واستهتاراً بكراماته وتضييعاً لحقوقه، وأكثر من ذلك تخديره وتحميله فوق طاقاته، وتركه في مهب ريح الفقر والجوع والوجع والمرض والهجرة والضياع والحرمان والإهمال والقهر والذلّ، وهذا ما يجب أن يرفضه هذا الشعب، إذا ما كان قادراً على الخروج من سياسة الارتهان والتبعية وشرنقة الطائفية والمذهبية والمناطقية، وأمامه فرصة لا تتكرّر إلا كلّ أربع سنوات، وبعد أن فقد كلّ حقّ له في هذا البلد، إلا أنه لا يزال يملك سلاحاً قوياً و»فتاكاً»، وبه وحده يصنع التغيير، ويقلب الطاولة على الجميع، وخاصة الذين أغرقوه في قعر بئر غويطة لا نجاة منها، والذين استدرجوه إلى جهنّم وبئس المصير. إنه «الصوت» الانتخابي الذي يركع المرشحون للحصول عليه، لأنه غالٍ جدا، حرام التفريط به ورميه في صندوق الاقتراع لمن لا يستحقه…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى