أخيرة

نداْ الأجيال

} يوسف المسمار*

 

الذي لا يطلع على الأشياء، لا يفهم حقيقة الأشياء، ولا يمكن أن يكون له منها وفيها موقف ورأي سليمان.

أما المنقبون الباحثون الواعون الصابرون، فهم وحدهم يستطيعون كشف الأغوار والوقوف على حقائق الأسرار.

وهم وحدهم الخميرة الصالحة لقيام كل نهضة، وهم وحدهم الهواء المنعش الذي يوقظ الغافلين، والضوء المنير الذي يرشد التائهين الى الصواب ويخترق السدود.

وبناء على ذلك، يتضح بطلان كل رأي يعتمد على الظن والتخمين، ويسفه كل موقف تحرّكه الغرائز والأوهام، لأن رأي الظن وموقف الوهم لا يتوافقان مع مفهوم الحقيقة التي هي:

«قيمة إنسانية يكتسبها الوجود إثر حصول المعرفة الإنسانيّة»، كما أشار اليها العالم الاجتماعي والفيلسوف أنطون سعاده، ويتضح أيضاً أن لا نهضة حقيقية لمجتمع لم يستيقظ الوجدان الاجتماعي في بناته وأبنائه، ولم يتفجّر في نفوسهم الوعي العام، وروح المجابهة والاستكشاف والإقدام الرساليّ والصلابة الصراعيّة على مدارج الارتقاء والتسامي.

ولهذا تكبر مسؤوليّة الواعين المثقفين المتنورين المؤمنين بأنفسهم وبحق أمتهم في النهوض لأنهم هم المسؤولون الفعليّون عن مجتمعهم في ضرورياته وحاجاته وإمكاناته وإرادته ومصالحه وأغراض حياته ومطامحه الكبرى.

وهم وحدهم المسؤولون عن القيام بمهمة إيقاظه وتوجيهه وقيادته وتحقيق انتصاره.

فإذا فشلوا في هذه المهمات الأساسيّة، قصّروا في واجباتهم وثبت عجزهم، وسقطت عنهم جدارة التوجيه والإرشاد والقيادة، وانتفت عن أمتهم الاصالة الحضارية والريادة التمدنية فضلاً عن امكانية المشاركة في حقوق الحرية والتحضر الانساني، وانتهوا كلهم وانتهت أمتهم اما الى رافد ضائع في مجرى نهضة أمة قوية، واما الى الدوران في فلك تبعية أمة من الأمم، وإما الى الجمود غير مأسوف عليهم في احدى مقابر التاريخ.

وفي هذه الحالة لم يعد العلم ينفع، ولا الشهادات المدرسيّة تجدي، ولا معرفة اللغات وإتقانها تفيد، لأن العلم يصبح غاية، والانسان يصير وسيلة، والشهادات المدرسية تغدو مخدراً تستسيغه وتعتاد عليه نفوس الأغبياء، واللغات تتحوّل الى قيود لماعة في أعناق وأيدي وأرجل مجيديها الأغبياء الجاهلين المتخاذلين المستضعفين المستسلمين.

 فيا بنات الحياة وأبنائها. أيّها الواعون من أبناء أمتنا أنتم النسور المسؤولة عن ارتياد الآفاق وتذليلها واكتشاف خباياها لمصلحة حياتكم وحياة أمتكم ورقيها.

بوعيكم لقضية وجودكم وحياتكم ومصيركم تتكشف أبعاد كل غدٍ عظيم، وبوهج إيمانكم بأنفسكم تتبسّم دروب القمم.

الأجيال التي لا تزال في رحم الغيب تناديكم فعوا وآمنوا واعملوا وصارعوا لتكون حقيقة تحسين حياتكم هدفكم، وممارسة البطولة الواعية الهادفة فلسفتكم، والمحبة العاقلة والرحمة المحبة بينكم رائدكم.

ان في عقولكم الواعية، وفي نفوسكم الجميلة وفي دمائكم الحارة معالم ثورة إن استيقظت وفعلت ألهبت الكون وغيّرت وجه التاريخ وخلقت الإنسانية الحضارية السامية.

*باحث وشاعر قوميّ مقيم في البرازيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى