أخيرة

الصراع شرط البقاء ولا بقاء بدون صراع

} يوسف المسمار*

 

من بداية وعينا للوجود والى هذا الزمن العصيب تؤكد الأحداث والمكتشفات على مرّ الزمان الذي مضى أن الإنسان ما وُجد وما انجود فرداً على الأرض بل جماعة، وليس بإمكانه الاستمرار والبقاء بانفصاله عن الأرض والجماعة، بل إن الاجتماع هو أساس الوجود الإنساني وشرط استمراره الضروري، وقاعدة انطلاقه وتطوّره ورقيه.

وقد عبّر العالم الاجتماعي أنطون سعاده أصدق تعبير في مؤلفه “نشوء الأمم» عن هذه الظاهرة بقوله:

«الاجتماع الإنساني حتميّ لوجود الإنسان، ضروري لبقائه».

والذين لا يعترفون بهذه الحقيقة يتنكّرون لحقيقة وجودهم وانوجادهم واستمرارهم في المجتمع، وتكذّبهم ممارسة حياتهم في المجتمع مهما تفنّنوا بألوان الأوهام واستنبطوا من زخارف الكلام واخترعوا ولفقوا من الذرائع.

وإذا كان وجود الفرد الإنساني مستحيلاً بدون الجماعة، فإن الوقائع والاكتشافات والأبحاث والدراسات والاجتهادات تفيد أن الحياة الإنسانية ما وجدت ولم يتوصل البشر الى معرفة وجودها وظهورها الا على كوكب الأرض، وأنه من المستحيل أن نتصور وجود بشر مثلنا إلا على كوكب مثل كوكبنا.

فالأرض أيضاً حتمية لوجود البشر وضرورية لاستمرارهم. فلا بشر الا على الأرض وبلا الأرض لا بقاء لبشر.

ولذلك كان مصير الجماعة التي تتنازل عن أرضها وتنفصل عنها كمصير الفرد الذي ينفصل وينعزل عن الناس في مجتمعه.

ففي خسارة الأرض انهيار المجتمع وسقوط تاريخه، وفي انهيار المجتمع وسقوط تاريخه دليل على فساد أفراده، والمجتمع الذي يكثر فيه الفساد مصيره الهلاك لا محالة.

ووحدهم الذين يدافعون عن أرضهم في صراع الحياة     يدافعون عن مجتمعهم وعن تاريخهم وبقائهم. أما الذين لا يدافعون عن أرضهم ومجتمعهم، فهم الفاسدون حقاً وما حق للفاسدين مصيراً الا مزابل التاريخ.

وشرف أحرار الأمة في داخل مجتمعهم أنهم طغاة على الفساد والفاسدين، وهم حرب لا تهادن ولا تساوم ولا تستسلم للأعداء القادمين لاستعبادها من الخارج.

فيا أحرار أمتنا وأملها في الحياة والتقدّم وصناعة مصيرها العزيز حذار التنازل عن سيادتنا على أنفسنا وأرضنا. ففي بقاء أرضنا لنا بقاء أمتنا سيّدة. وفي بقاء أمتنا بقاء ملاييننا واستمرار أجيالنا عزيزة. ومن أجل سيادتنا على أنفسنا ووطننا يرخص كل غالٍ ولو كان الثمن أودية وبحاراً من دماء. فليست دماؤنا الا من أمتنا وبذلها لصيانة وجود الأمة وبقائها صيانة لعزة كل فرد من أبنائها.

*باحث وشاعر قوميّ مقيم في البرازيل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى