مقالات وآراء

أفيف كوخافي المحارب الخاسر…

} نبيه عواضة

حين رنّ هاتف مكتبه في مبنى «الكرياه» وسط تل أبيب بالأمس، لم يكن أفيف كوخافي يتوقع ان يكون محدّثه «خصمه السياسي» وزير «الدفاع» وقائده العسكري السابق بني غانتس. الرجل توقع كلّ شيء الا شيئاً واحداً، استعجال القيادة السياسية (غانتس ـ بينيت ـ لابيد) لاختيار خلف لكوخافي قبل ستة أشهر من انتهاء مدة ولايته لأربع سنوات كرئيس أركان للجيش.

غانتس أبلغ كوخافي قراره ورئيس الحكومة بنِيته الاجتماع بثلاثة جنرالات مرشحين لمنصب رئيس الأركان الثالث والعشرين وهم: الجنرال هرتسي هاليفي ( رئيس الاستخبارات العسكرية «أمان»)، الجنرال إيال زمير (نائب رئيس الأركان) والجنرال يوئل ستريك (قائد المنطقة الشماالية).

بالطبع الأمر ليس مرتبطاً بـ «تصريحات كوخافي تجاه لبنان، ولا حتى بـ «تهديداته» ضدّ قطاع غزة، وبكلا الامرين لم ير المحللون العسكريون «الإسرائيليون» إلا جنوداً خائفين، مرعوبين، يختبئون داخل تحصينات إسمنتية او يقفون «على رجل ونصف» على طول الشريط الحدودي مع لبنان. او يُقتلون داخل تلك الدشم برصاصة من مسدس فلسطيني عند حدود قطاع غزة، حيث أصبح الدخول في معركة برية بمثابة متلازمة نفسية يطلق عليها مجازاً «عقدة خانيونس».

إنها السياسة في «إسرائيل»، وانّ الجيش ولادة الجنرالات وحزب الجنرالات هو الأقدر على إنتاج القادة، وكوخافي كما أسلافه (ومن ضمنهم غانتس نفسه) طموح لممارسة الدور. وسط تخبّط كبير على مستوى القرار وكيفية صناعة القرار. كلّ قائد جيش في «إسرائيل» يرى في نفسه وزيراً للدفاع ورئيس حكومة حتى، فمن هو كوخافي؟

لم يكن المولود في العام 1964 في مستوطنة «كريات بياليك» المشيّدة بين عكا وحيفا في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، يتوقع أن يصل به الأمر الى هذا الدرك، وهو الذي تربّع على عرش الأركان في جيش تطوّع في كتيبته الـ 890 التابعة للواء المظليين، تزامن ذلك مع اجتياح لبنان عام 1982، ربما الفتى الوسط بين شقيقين، حضرت في تدريباته أخبار الغارات الجوية وإنزال المظليين الذي كان ينفذه سلاح الجو «الإسرائيلي»، وسرعة التقدّم والوصول الى بيروت ومحاصرتها، جعلته حينما يتحدث عن لبنان، يحكي بلغة الماضي. تجربته البسيطة في سَرية المشاة في المرحلة الجامعية لم تجعله يتعرّف في تلك الحقبة على خيبات «الجيش الذي لا يُقهر» في لبنان، فقد ظلّ متنقلاً في الهواء يرى لبنان من الجو، فمن ضابط العمليات في لواء المظليين الى قائد كتيبة الأفعى 101، وليس انتهاء بقائد تدريب قاعدة مظليين.

احتفظ الرجل بصورة جوية عن لبنان مقابل صورة مختلفة كلياً عن قطاع غزة، فهو نفذ هبوطه المظلي على قيادة لواء النخبة الى جانب لواء جولاني، وهو قامع انتفاضة الأقصى عام 2001، ومشرف على تنفيذ عمليات عسكرية في الضفة الغربية، وخائض لعملية «السور الواقي» عام 2003. وكانت مشاركته الدموية فدفعت به ليكون «قائد فرقة غزة»، فوقع بين فكي السياسة والحرب. وعلى الرغم من دوره في وضع «عقيدة الضاحية» في حرب تموز 2006، إلا أنه كان أقرب في الميدان لمهام «جنوبية». فمن جهة أشرف على فكّ الارتباط مهزوماً صيف العام 2005، ومن جهة أخرى فشل حين خاض حرباً ضروس ضدّ غزة بحجة تدمير البنية التحتية لفصائل المقاومة وتحرير الأسير جلعاد شاليط أسماها «أمطار الصيف». فشل العملية العسكرية صيف العام 2006 أبعده عن فرقة غزة التي ما حصد منها إلا دعاوى قضائية في بريطانيا لتورّطه في جرائم حرب، ليحط به المطاف طالباً أكاديمياً في جامعة جونز هوبكنز الأميركية ليعود منها في العام 2007 رئيساً لشعبة العمليات في هيئة الأركان العامة قبل أن يصبح في العام 2010 رئيساً للاستخبارات العسكرية، بقي في المنصب أربع سنوات فانتقل الى اتجاه لبنان، ولكن هذه المرة على الأرض الممتدة من جبل الشيخ عند الحدود مع سورية ولبنان حتى نتانيا في الجنوب كقائد لهذه المنطقة التي تسمّيها «إسرائيل» عسكرياً المنطقة الشمالية. أفضت به تلك المهمة ليكون مرشح أفيغدور ليبرمان (وزير الحرب آنذاك) لرئاسة الأركان التي آلت إلى كوخافي في كانون الثاني/ يناير 2019.

ثلاث سنوات ونصف السنة أمضاها الرجل رئيساً للأركان، خطيباً أكثر منه محارباً، فبعد كلّ موقف «عالي النبرة» يدلي به، كان يتعرّض للانتقاد الشديد خاصة في خضمّ التصريحات ضدّ إيران وتوقيت المعركة أكثر من مرة، ولولا الجهد الاستخباري الكبير لـ «الموساد» وخلفها طبعاً «سي أي آي» في عمليات الاغتيال والتخريب، إضافة الى قدرة سلاح الجو على توجيه ضربات جوية في العمق السوري، يمكن القول انّ كوخافي لم يفعل إلا شيئاً واحداً، وهو زيادة العنصرية وارتفاع في جرائم الاغتصاب داخل الجيش، تراجع في الحافزية العسكرية لدى جنوده، وتحوّلهم الى متعاطي مخدرات، سوء الطعام في القواعد العسكرية وتفشي عمليات سرقة الذخائر من المعسكرات.

أما بخصوص مناورة «عربات النار» فإنّ الفضل الأكبر في تأخيرها وتكثيفها وتضخيمها بهذا الحجم وبهذه الشمولية والاتساع، كان لجائحة كورونا التي فرضت على «إسرائيل» أربعة إغلاقات عامة، مع إجراءات وقائية مشدّدة جداً، جعلت من الجميع أسرى منازلهم او ثكناتهم العسكرية نظراً لسرعة انتشار الوباء.

إذن… السياسة كمين متقدّم اليوم لكوخافي، خاصة انّ استطلاعات الرأي تتشارك في ما بينها الدعوة الى تشكيل حكومة جديدة وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، فهل يكون تعيين البديل عنه وبهذه السرعة محاولة التفاف على منع كوخافي من الاستفادة من موقعه لإظهار ضعف الحكومة على كافة المستويات، خاصة أنّ هناك من ينتظره لتشكيل تكتل سياسي جديد، وبالتأكيد سوف يكون هذا التكتل متحالفاً مع نتنياهو (خصم لابيد وغانتس وبينيت) حيث تشير آخر استطلاعات الراي التي أجرتها قناة 12 العبرية، انّ كتلة نتنياهو سوف تحصد لو أجريت الانتخابات اليوم 61 مقعداً، لحزب الليكود موقع الصدارة بـ 36 مقعداً. علماً انّ غالبية الجمهور «الاسرائيلي» يميل بنسبة 56 بالمئة لأن تكون الحكومة المقبلة خالية من الأحزاب العربية…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى