الوطن

قمة طهران… محور ارتكاز أمن المنطقة

رنا العفيف

محادثات ثلاثية تسعى كلّ منها لتسوية الأزمات السياسية والإقليمية والدولية، وحلّ مسألة الأمن الغذائي بعد أوكرانيا، وكان أبرز محاورها سورية، قمة كانت في منتهى الشفافية، ومتعدّدة الاستراتيجيات والاتفاقات، برسالة استثمار في غاز إيران، أيّ معادلات جديدة ترسم في المنطقة على المستوى الإقليمي والدولي، وما نوعية الرسائل التي وجهت لقمة جدة من خلال القمة الثلاثية في سياقها الزمني المتعلق بأمن المنطقة برمتها وأبعادها؟

قمة استثنائية ومحادثات ثلاثية في ظلّ الظروف الدولية الحرجة، احتضنتها طهران، وضمّت زعماء إيران وروسيا وتركيا، وكانت سورية حاضرة بقوة، إذ كانت المحور الأبرز، في نقطة تلاقي الطرفين الإيراني والروسي على رفض عملية عسكرية تركية شمال سورية، وبمشاركة رؤساء الدول الثلاث القمة الإيرانية الروسية التركية، السيد ابراهيم رئيسي وفلاديمير بوتين وطيب رجب أردوغان، حيث ركز كلّ منهم على نقاط معينة، إذ تحدث الرئيس الإيراني عن الدور الأميركي في سورية، وقال: إنّ وحدة أراضيها وسيادتها خط أحمر، فيما تحدث الرئيس الروسي بوتين عن خطوات محدّدة للحوار السياسي السوري كي تتمكن سورية من تقرير مستقبلها دون تدخل خارجي، أما الرئيس التركي ركز على ورقة النازحين وعودتهم، مشيراً إلى تفهّم تركيا القلق من وجود بعض الأطراف في إدلب

وعلى خط دمشق طهران وصل وزير الخارجية السوري د. فيصل الممقداد إلى طهران، فيما يتحرك موفدون من القيادة الروسية على خط القامشلي للقاء قوات «قسد»، وهذا يعطي نوعاً ما نموذج التفاؤل السياسي لحلحة الاستعصاء.

القمة إذن لها وزنها الإقليمي والدولي، ولها مكانة عالمية في محطة العالم الجديد لمواجهة ثقل حرب العقوبات الاقتصادية الغربية والأحلاف الاميركية، وهنا أعني تشارك إيراني روسي، إضافة لتلاقي طهران بشريكتها تركيا أيضاً لعلّ هناك رسالة معنوية تطيح بقمة جدة التي أعطت صورة تذكارية للقادة فقط، وبذات الوقت رسالة ردع استراتيجية قوية مفادها ضمان أمن المنطقة بمبادئ ونظام عالمي جديد، حتى ولو لم تعد رهن استراتيجية واشنطن موجودة، ولكنها من أولويات قمة طهران الثلاثية بإقليميتها والثنائية من جهة، إلا أنّ أمن الطاقة والغذاء والاقتصاد في العالم فرض نفسه لتبعات خلقته الأزمة الأوكرانية في المنطقة، وتسعى الدول الثلاث من تخفيف وطأة الأزمات التي سبّبتها الولايات المتحدة، ربطاً بضمان وجود الجيش العربي السوري على الحدود الضامن الأكبر وبشكل فعلي لاستقرار البلاد، والعقوبات هنا تتناقض مع سيادة الدول، إذ إيران تدين هذه السياسات ضدّ الشعب السوري، وسيادة سورية واستقلالها بالنسبة لإيران خط أحمر، وأنّ على واشنطن أن تردع نفسها عن المنطقة ومن خلفها «إسرائيل» التي تزعزع استقرارها، وإلا سيرتدّ عليهما .

فـ إيران وروسيا وتركيا اجتمعوا اليوم لحلّ المشاكل الموجودة في سورية، الأمر الأكثر أهمية لدى روسيا وطهران اللتين تعملان على تطبيق اتفاقات أممية تكفّ شرّ سياسة الغرب وهيمنتها في المنطقة، إلا أنّ هذا الاجتماع الثلاثي، يمكن أن يلعب دوراً هاماً جداً في ضمان واستقرار سورية، انطلاقاً من سياسة روسيا التي تتبع مبادئ احترام سيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية، وكذا سيكون هناك مشروعاً للعمل الثنائي بخطوات محدودة للحوار السياسي السوري على أساس اتفاقات جديدة من دون أيّ تدخل خارجي.

وهذا يترجم لأنّ لهذه القمة نتائج ستتبلور في القريب عاجلاً أم آجلاً ربما، لأنها حملت عناوين اقتصادية وتجارية واستثمارية، تستند على أمن المنطقة والإقليم وليس فقط أمن سورية، من خلال المواضيع التي تجلت بها ومنها موضوع الإرهاب، والطاقة والأمن الغذائي، وهذا لمصلحة الحضور الثلاثي من الناحية الجغرافية وغيرها، فخطورة الأمر تكمن عند مشكلة كلّ طرف منهم، فمثلاً الخطورة لدى روسيا في أوكرانيا أن يمتدّ الإرهاب من سورية إليها، وكذا التركي سيرتدّ عليه تأثير العقوبات، فهناك نقاط كبيرة تجمع الدول الثلاث وأغلبها اتفاقيات بعيدة المدى، قد تغيير من العالم بتحوّلاته الاستراتيجية الكبرى وله مخاض ولادة ينفتح على العالم الآخر، وإذا صحّ انضمام إيران إلى أوراسيا فسيكون هذا مهماً جداً أيضاً، وعندما نقول قمة ثلاثية ثنائية، أيّ بين إيران وروسيا عقد اتفاقات، وبين إيران وتركيا تجمع اتفاقيات نظراً اللقاءات التي حصلت مؤخراً بين قيادات إيرانية وروسية بخصوص الاستثمار والبترول والحقول الخليجية الإيرانية، وأيضاً إيران وقعت مع تركيا من خلال زيارة رئيسي ولقاءه أردوغان، وبالتالي تبقى المفاوضات المشتركة لها صيغتها وخصوصيتها المحدودة والمترجمة على الوقائع السياسية التي أحياناً تفرض نفسها، ولا ننسى الحسابات الاستراتيجية أيضاً لها مفعول خاص في تغيير العالم الفعّال كقوى فاعلة، ناهيك عن الدول التي تفتعل الأزمات في الشرق الأوسط. ورأينا وسمعنا عن شفافية الطرح في هذه القمة بتعزيز الاقتصاد ومكافحة الارهاب الأطروحة بحدّ ذاتها هي قاعدة أساسية وركن سياسي يعيد ترتيب أوراق المنطقة.

أما بخصوص ما يشغل الروسي والإيراني فقد كان مختلفاً تماماً عما يشغل التركي، إذ كان بالنسبة لروسيا مسائل توزيع الطاقة من خلال العقد الذي سيبرم بين الروسي والإيراني وهذا عنوان كبير على تغيير النمطية في الاستراتيجيات العالمية، بينما التركي ولاحظناه جميعنا أنه بالرغم من خطورة السياسة الأميركية على المنطقة بشكل عام وعلى تركيا بشكل خاص إلا انه لا يستطيع أن يخرج من هيمنة الولايات المتحدة، لكنه ربما سيحاول رويداً رويداً، وهذا يتطلب وقتاً، كي نرى نتائج فعّالة ومضمونة الشكل لها أبعاد أخرى، ربطاً بأبعاد القمة وما اكتسبته من حضور أعطى زخماً قوياً متميّزاً بين قوسين اقتصادي واستراتيجيفي حال تراجعت تركيا في حساباتها، وأينعت في رسم المعادلات الجديدة لمستقبل المنطقة وهذا حافظ لتغيير استراتيجيتها وفق المنظور الثنائي الإيراني الروسي الذي رسم محور نقطة ارتكاز أمن المنطقة في الشرق الأوسط

وبالتالي كانت لزيارة بوتين أهمية تاريخية مع نظيره الإيراني وبشكل خاص مع الإمام خامنئي، وهذا يدلّ على كمية نفاق واشنطن التي لم تهدأ بقول إنّ هناك فراغاً سياسياً، ويجب عليها سدّه، وهذا بعيد عن المنطق والعقلانية، إذ للمحادثات الثلاثية أطاحت بكذبة واشنطن الشهيرة بأنها لن تخرج من المنطقة ولن تترك فراغاً في الشرق الأوسط، وهذه فقاعات إعلامية أشبه بالفقاعات الصوتية التي تطلقها «إسرائيل» أحياناً في سماء لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى