الوطن

الجدار الطيب والممرات الإنسانية… التاريخ يعيد نفسه

خضر رسلان

أولى إرهاصات العلاقات العلنية مع الكيان المحتل   توّجها إفتتاح ما يسمّى «الجدار الطيب»،  حين بادر وزير الحرب الصهيوني آنذاك شيمون بيريز في 26 كانون الثاني 1976 متذرعا بالدوافع الانسانية الى الاستعداد لاحتضان واستقبال الهاربين  من الحرب الأهلية  اللبنانية. وتلك كانت مقدمة لتنفيذ المشروع السياسي المرسوم منذ اقامة ما يسمى «دولة إسرائيل»، حيث كانت تسعى دائما الى إقامة علاقات سواء مع كيانات أو أفراد لبنانيين تحت عناوين مختلفة  ولأهداف لا تخدم قطعا مصالح الدولة والشعب في لبنان.

وفي قراءة تاريخية مقارنة بين الواقع العام الذي كان سائدًا إبان افتتاح الجدار الطيّب وبين الظروف الحالية التي يمر بها الشعب اللبناني لوجدنا التشابه حتى التطابق، وإن اختلفت الادوات واللاعبون، إلا أن المشروع لا زال كما هو، يتمحور حول التشريع الطبيعي للكيان الغاصب واقامة علاقات طبيعية مع دول الجوار ومسح حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم حيث هم  ويتأتى ذلك في امرين:

1–       الجدار الطيّب والعمالة الاقتصادية

   عوامل عديدة ساهمت في إنشاء ما يسمى الجدار الطيّب ومن ثم العمالة الاقتصادية  التي أسست ومهدت لقيام مايسمى جيش العملاء واهمها :

أالوضع الاقتصادي والسياسي في الشريط الحدودي:

 في قراءة للاحداث نجد أنّ «إسرائيل»  حاولت تدجين المنطقة المحتلة لتشكل رأس حربة اساسية تستطيع من خلالها الدخول في اللعبة السياسية اللبنانية، حيث كان الإرباك سائدا في المنطقة الحدودية مع بلوغ الازمة في لبنان عام 1977 ذروتها حيث اصبحت المنطقة الجنوبية بعيدة عن اي تقديمات اقتصادية او اجتماعية من قبل الدولة اللبنانية وكأنها منطقة سائبة او موات سياسيًا وعسكريًا، ما مكن «إسرائيل» من استثمار هذه العوامل لتشكل معبرا في المراحل اللاحقة. وما ساعدها في ذلك غياب  مؤسسات الدولة اللبنانية سواء منها الأمنية ام الإدارات المحلية وهذا ما انعكس على إدارة وتدبير شؤون أبناء القرى الحدودية، وهذا ما فاقم  الأزمات المعيشية والاجتماعية سوءا.

بالقرار الملتبس والمشبوه حول توقف استلام محصول التبغ الجنوبي:

  عملت سلطات الاحتلال بالتنسيق مع عملاء محليين على استغلال توقف الدولة اللبنانية وبشــكل رســمي وبقرار غامض وغير مفهــوم  ولمــدة ثلاث سنوات عن استلام محصــول المزارعين لشتلة التبغ المصــدر الرئيسي الذي يعتاش منه الجنوبيون بتقديـم عروض مغرية لهم بعــد استحداث نقطة لاجــل ذلك في قرية رميــش الحدودية يتم خلالـها شــراء محاصيلهم من التبــغ، فضلا عن تقديم فرص عمل لهم كمياومين بأجــور عالية في معامل التبغ. وكان تاريخ 29 تمــوز 1976 موعدا لعبور شحنات التبغ من بلدة رميــش الى كيــان الاحتلال، اعقبه بعد يومين عبور المياومــين الى معامل التبغ في صفد لتكون العمالة الاقتصادية  المعبر التي سلكته «إسرائيل» لتنفذ منه نحو الداخل اللبناني وتأسيس جيش وشبكات متعاملة معها.

جبوابات الاحتلال ومساعدات قرى ال48 العربية:

في اطار السعي الصهيوني الحثيث لانجاز مشروع التطبيع مع لبنان عمل الصهاينة وبشكل مكثف على استحداث عدد من البوابات لنقل العمال اللبنانيين الى أماكن عملهم في مستوطنات الجليل الأعلى، مرافقين ذلك مع فبركة سيناريوهات تخدم الهدف وتتعلق برعاية ما يسمى «مبادرات محلية»من «جيرانهم» من ابناء القرى العربية (مناطق الـ 48)، بهدف تزويد «إخوانهم» في القرى والبلدات الجنوبية  ما يحتاجونه من مؤن وأدوات طبية. تلا ذلك عبور دفعات من السياح اللبنانيين لزيارة اقاربهم او من يرسل لهم المساعدات وخصوصا في الجليل الأعلى، عوامل متعددة جمعت بين الحاجة والعوز وغياب الدولة وسياسة الترغيب والترهيب أدت الى استثمار العمالة الاقتصادية والمساعدات «الانسانية» كنواة اساسية في جيش متعامل شارك الاحتلال في جرائمه.

2ممرات انسانية تطبيع مقنع تضرب الشراكة الوطنية:

 في سيناريو مشابه لما جرى زمن انشاء ما يسمى الجدار الطيب من قبل الاحتلال الإسرائيلي واستكمالا لما لم يزل في رأس قائمة الأجندة الأميركية الساعية الى التطبيع مع الكيان المحتل وتوطين اللاجئين بدأ الترويج المشبوه لطروحات جوهرها العمل على تغيير تدريجي في الصورة الذهنية المتشكلة لدى المجتمع اللبناني حيال الموقف من التطبيع وزادت الضغوط على الرأي العام اللبناني لتغيير قناعاته وذلك عبر محاولة ترسيخ الوجود الإسرائيلي كأمر واقع في المنطقة لا بد من التعامل معه. لذلك، لم يكن هناك أفضل من سلاح «التجويع واعتبار التطبيع مع العدو مخرجاً من كل المشاكل واقتباس تجربة المبادرات المحلية المزعومة التي قيل ان فلسطينيي 1948 بادروا اليها لمساعدة جيرانهم والتي مهدت لجدار طيب اثمر جيشا من العملاء القتلة باستنساح نسخة مكررة ومنقحة باساليب جديدة وغطاء رعوي ودعوات الى ممرات انسانية تخالف وتناقض الاسس والمبادى التي تحكم انشاء وعمل هذه الممرات والتي وفقا لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1990 بجب ان تحترم ثقافة وبنية وعادات المجتمعات والدول وأكدت المادة 18 من البروتوكول  الاول الاضافي  لاتفاقيات جنيف  الى مبدأ  ضرورة والزامية موافقة الدولة المعنية. وبناء على ذلك فان احترام الشراكة الوطنية التي

شدد عليها القرار الدولي والذي يحتم احترام ثقافة وعادات المجتمعات لا سيما التي ذاقت الامرين من اعتداءات الصهاينة منذ عقود والتي تنظر بعين الريبة والشك للمسار التي سلكته الامور من نزعة تؤجج المشاعر الطائفية وتحفر عميقا في بنيان الوحدة الوطنية

ويبقى في الاخير الأمل والرهان على المجتمع المقاوم مع قواه الحية والذي اغلق في العام 2000 ممرّ ما يسمى جدارا طيبا بعدما اندحرت عبره حجافل الغزاة الذين عاثوا في الارض فسادا وارهابا وتنكيلا، أن لا يسمحوا لجدار وممرّات بلبوس إنساني تجديدا لتاريخ  ما فتئ يسعى لجعل التطبيع مع العدو مستساغا وأمرًا واقعا.‏

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى