أولى

التعليق السياسي

حكاية الودائع والمودعين

 

لا ذنب للموظفين الذين تعرّضوا للاحتجاز في أحد المصارف، وعاشوا رعب اللحظات، بمثل ما أن لا ذنب للمودعين الذين استفاقوا ذات يوم ليكتشفوا أنهم غير قادرين على الوصول إلى أموالهم، التي شكّلت خميرة العمر، وظنّوا أنهم وضعوها في أشد الأماكن أماناً، أكثر أماناً من بيوتهم أو أية مشاريع توظيف.

يدفع الذين لا ذنب لهم فاتورة المذنبين، تماماً كما عندما يتقابل المتظاهرون ورجال الشرطة، ويقذفون بعضهم بالحجارة ويُلحقون الأذى ببعضهم، بينما صاحب القرار الذي يحتجّ عليه المتظاهرون ويحميه رجال الأمن، لا يكترث لما يجري، وبالأمس كان صاحب القرار الماليّ من رئيس الحكومة إلى وزير المال وحاكم المصرف ورؤساء المصارف ومدرائها، يتفرّجون ويتابعون كسائر اللبنانيين، ما يجري على شاشات التلفزة.

منذ ثلاث سنوات وقعت الكارثة، وتوقفت المصارف عن الدفع، وتحوّلت الودائع إلى مجرد بطاقة تسوّل تخوّل صاحبها الحصول على بضع مئات من الدولارات شهرياً، حتى لو كان حسابه بمئات الآلاف كحال المودع بسام حسين الشيخ.

منذ ثلاث سنوات وحزب المصارف يخوض حرباً للسطو على موجودات الدولة بديلاً لديونه على الخزينة ومصرف لبنان، وهي ودائع اللبنانيين، متجاهلاً أن المصارف حققت أرباحاً من هذه الديون الهالكة تقارب خمسين مليار دولار على مدى عشرين عاماً، وهي تعلم أنها ديون لن تسدّد، وتقاسمت الأرباح وحوّلتها الى الخارج، وفق معادلة الربح لأصحاب المصارف والخسارة على المودعين، بدلاً من أن تعترف بمسؤوليتها وتتقاسم المسؤولية مع مصرف لبنان والدولة، للخروج بخطة سريعة ترسم خريطة طريق تقول للمودعين، إن ودائعهم بخير، وإنهم سوف يستعيدونها بجدول زمنيّ معلن وبطرق محددة.

ثلاث سنوات والكل هارب من المسؤوليّة، فلا الحكومة تريد حسم موقفها بما لا يفرح المصارف ومصرف لبنان، وكل منهما لا يريد الخروج حاملاً أية مسؤولية عن صناعة الأزمة، حتى ضاق صبر المودعين، وبدأت الانفجارات تتوالى، وما شهدناه ليس إلا بداية فوضى ستعم البلد وربما لا تنتهي بلا خسائر في المرة المقبلة.

 هل وصلت الرسالة إلى المعنيين لإدراك أننا عشية حرب أهلية من نوع آخر، يقتل فيها الذين لم يرتكبوا ذنباً من لم يرتكبوا ذنباً، ويفلت فيها المذنبون من العقاب، لكنهم قد يحترقون مع قصورهم وأموالهم ومؤسساتهم في لحظة الغضب الكبير؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى