أولى

مجازر لا تسقط بمرور الزمن

} معن بشور

أن يصل إلى بيروت، كما كلّ عام منذ عام 2000، وفد يضمّ 52 شخصية من الشخصيات الأممية المتضامنة مع الحقّ الفلسطيني والمقاومة اللبنانية في إطار حملةكي لا ننسى مجازر صبرا وشاتيلا، فيزور الضريج الجماعي لشهداء المجزرة من فلسطينيين ولبنانيين وسوريين ومصريين وعرب، كما يزور المخيمات الفلسطينية ويلتقي بعدد من الشخصيات الفلسطينية واللبنانية التي ما زالت فلسطين حاضرة في وجدانها ونضالها، أمرٌ يستحقّ الوقوف عنده لا بإعجاب وامتنان كبيرين فقط، بل لما يتضمّنه من رسائل بغير اتجاه.

الرسالة الأولى هي أنّ مجازر كمجزرة صبرا وشاتيلا وغيرها من مجازر ارتكبها الصهاينة، وما زالوا، في فلسطين ولبنان وسورية ومصر وتونس وصولاً إلى العراق الذي لم يكن احتلاله من قبل الولايات المتحدة إلاّ قراراً صهيونياً تمّ تنفيذه بأيدي أميركية وأطلسية، مجازر لا يمكن أن تسقط بمرور الزمن، لا قانونياً، ولا سياسياً، ولا أخلاقياً، ولا إنسانياً، بالطبع.

وإذا كان القيّمون على المجتمع الدولي قد تناسوا على مدى أربعين عاماً من تاريخ المجزرة التي ارتكبت في مثل هذه الأيام من عام 1982، فإنّ الضمير الإنساني ممثلاً بهؤلاء الأحرار من العديد من البلدان الأوروبية والأميركية، لا يمكن أن ينسى مجزرة من هذا النوع ارتكبها المحتلّالإسرائيليوأدواته المحلية بدم بارد أدّى إلى استشهاد أكثر من 3000 إنسان معظمهم من النساء والأطفال.

أما الرسالة الثانية فهي تذكير بهذه المحارق الصهيونية ودعوة إلى محاكمة مرتكبيها، الأحياء منهم، وحتى الأموات، وإرغام حكومة الكيان الغاصب على الاعتذار عن ارتكاب هذه الجريمة ومثيلاتها، والتعويض على ذوي الضحايا في هذه المجازر وإصدار قرار أممي بهذا الخصوص ورفع دعاوى من الجهات المعنية بهذا الصدد، ليس فقط إحقاقاً لحقّ مغيّب منذ 40 عاماً، بل أيضاً لمنع تكراره في بلادنا وفي أيّ بلد في العالم كي لا يشعر المجرمون، أينما كانوا، أنهم قادرون على الإفلات من العقاب.

أما الرسالة الثالثة فهي لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبار أنّ الضحايا في أغلبهم هم من الأشقاء الفلسطينيين، وللدولة اللبنانية باعتبار أنّ هذه المجزرة، كما مجازر مماثلة ابتداء من حولا إلى قانا والمنصوري والنبطية الفوقا، قد وقعت على أرض لبنانية ذات سيادة، وطالت مواطنين لبنانيين، كما أنها موجهة لجامعة الدول العربية حيث كان ضحايا هذه المجازر رعايا من عدّة دول عربية.

الرسالة الرابعة هي أنّ قضية فلسطين، بكلّ أبعادها، لم تعد قضية فلسطينية فقط، أو قضية عربية وإسلامية فحسب، بل باتت قضية عالمية، وإذ نرى كلّ يوم شاهداً على انتصار شعوب العالم الحرّة لشعب فلسطين الذي يتعرّض لآخر استعمار استيطاني عنصري في عالم اليوم، وحيث بات الكيان الصهيوني الغاصب يحسّ يوماً بعد يوم بخناق العزلة الكونية يشّتد حوله، وبتحوّل بارز في الرأي العام العالمي، من رأي عام مخدوع ومضلّل بإعلام صهيوني التمويل والتأثير إلى رأي عام واع ومدرك لطبيعة هذا الكيان الذي بات دولة فصل عنصري بمعايير منظمات إنسانية عدّة وحكومات متحرّرة أيضاً.

أما الرسالة الخامسة فهي كم تستطيع إرادات فلسطينية وعربية وأممية أن تفعل إذا أحسنت التواصل والتفاعل والتكامل في عملها.

فـلجنة كي لا ننسىالتي تمّ تشكيلها في بيروت وروما من شخصيات لبنانية وفلسطينية كالأستاذ الكبير طلال سلمان، والرائد الأبرز في العمل الاجتماعي والإنساني الدكتور كامل مهنا، ورئيس بلدية الغبيري السابق المجاهد أبو سعيد الخنساء، باعتبار المجزرة وقعت في أرض محلة الغبيري في الضاحية الجنوبية، والأخ المناضل قاسم عينا منسقلجنة كي لا ننسىوالمشرف على زيارات الوفود منذ 22 عاماً ومدير عام بيت أطفال الصمود والناشط الاجتماعى البارز زياد عبد الصمد المدير التنفيذي لشبكة المنظمات غير الحكومية للتنمية، بالإضافة إلى القامات التي رحلت عنّا خلال هذه السنوات المناضل الكبير أحمد اليماني (أبو ماهر)، والرمز الثقافي الفلسطيني الدكتور أنيس صايغ، ورجل الأعمال المتجذّر وطنياً وقومياً رفعت النمر، والتي شكّلها في روما قبل أن تمتدّ إلى أوروبا كلها، وإلى الأميركيتين أيضاً، المناضل اليساري البارز الراحل ستيفانو كاريني وخليفته موريسيوس موسوليني والمناضلة ستيفانا لاميتي وعدد من المناضلين الإيطاليين الذين يشاركون بالعشرات تعبيراً عن رفضهم لموقف حكومتهم التي سحبت الكتيبة الإيطالية لحماية المخيمين قبل 24 ساعة من المجزرة، جاءت واحدة من مظاهر التكامل الخلاّق بين أهل القضية وأنصار القضية، كما هي حال العديد من المبادرات المماثلة وأبرزها المنتدى العربي الدولي من أجل العدالة لفلسطين الذي عقد دورات خمس بحضور المئات من الشخصيات العربية والدولية ومؤسّسة القدس الدولية، والاتحاد العالمي لعلماء المقاومة وحركة التضامن العالمية، وكالحملة العالمية من أجل العودة، وكالتجمع العربي والإسلامي والعالمي لدعم خيار المقاومة وغيرهم وغيرهم في فلسطين والشتات.

وقد أخذ تأثير المنضوين تحت لواء هذه المبادرات يتضح في العديد من عواصم العالم، لا سيّما في المظاهرات المليونية التي شهدتها عواصم الغرب خلال الحروب التي كان يشنّها العدو الصهيوني ضدّ الشعب الفلسطيني والأمّة.

الرسالة السادسة موجهة للدولة اللبنانية بأن لا تثق بالوسطاء الأميركيين الذين خدع كبيرهم فيليب حبيب اللبنانيين والفلسطينيين عام 1982، حين أكّد في الاتفاق الشهير الذي أدّى إلى خروج قوات المقاومة الفلسطينية والجيش العربي السوري من بيروت بأنّ أمن المخيمات محميّ وأن لا دخول للجيشالإسرائيليإلى العاصمة، وهي ضمانات تبدّدت بعد أيام من خروج القوات الفلسطينية والسورية من بيروت أثر حصار دام ما يقارب الثلاثة أشهر.

اليوم تتجدّد الظروف التي أدّت إلى احتلال العاصمة وارتكاب المجازر ومع دور الوسيط الأميركي الجديد هوكشتاين في قضية ترسيم الحدود البحرية، حيث أنّ لبنان مهدّد مرّة أخرى ضحية خداع الوسيط المنحاز للعدو.

أما الرسالة السابعة والأهمّ فهي أنّ ما نحتاجه كأمّة، بل كعالم تسوده مبادئ العدالة والحرية والكرامة، هي أن لا نكتفي بالتهليل لمثل هذه المبادرات والتصفيق للقيّمين عليها، بل أن نسعى بكلّ ما نستطيع للقيام بها لدعمها واحتضانها وتوفير كل سبل تطويرها إلى مؤسسات فاعلة دائمة على مستوى الأمّة والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى