نقاط على الحروف

هي سورية… كانت وستبقى معيار الصدق في الولاء لفلسطين

 ناصر قنديل

 

ــ ليس الوقت لنكء الجراحات، بل للمساعدة في جعلها تشفى، مهما كانت عميقة. فالمبادرة التي حملها البيان الصادر عن حركة حماس حول مكانة سورية ودورها والوقوف معها قلباً وقالباً، ليس مجرد إنشاء عربيّ، كما يعتقد أو يريد أن يوحي الذين يصعب عليهم تقبل عودة العلاقات بين سورية وحماس إلى ما تقتضيه المواجهة مع كيان الاحتلال، وبمقدار ما علينا أن نتفهّم مشاعر هؤلاء، علينا أن نفهمهم بينما نحن نتفهمهم، بأن لا قيمة لقوة سورية ولا استدامة لتعافيها ما لم تتحول إلى رافعة في محور إقليميّ عملاق يواجه ما يدبّره أعداء سورية لها ليل نهار. وهذا المحور لا يستقيم ولا ينوجد إلا إذا كانت بوصلته فلسطين، والسعي لاستعادة وحدة مقاومتها، ووحدة هذه المقاومة مع قوى محور المقاومة. ومثلما يوجد من يصعب عليه الاقتناع بهذه الحاجة الملحة وهذه الضرورة الوطنية والقومية، كذلك يوجد على جنبات حماس وفي بيئتها من يصعب عليه الاعتراف بما جاء في بيانها، وإن كان يصعب تفهّم هؤلاء مثل تفهّم الغاضبين من عودة علاقاتها بسورية، إلا أن حماس معنية بإفهامهم بأن سورية كانت وستبقى معيار الصدق في الولاء لفلسطين.

ــ يكفي أن نتخيّل لو أن المشروع الذي استهدف سورية قد نجح بتحقيق أهدافه، بإسقاطها وجعلها مساحة مستباحة لقوى المشروع الأميركيّ التطبيعي، أو بتقسيمها وجعلهاإسرائيلياتصغيرة مذهبية وقبلية وعرقية متقاتلة، لنكتشف الى أيّ هوة سحيقة كان مشروع المقاومة سيتدحرج، فهل نتخيّل مشهد لبنان والعراق والأردن عندها، وماذا عن فلسطين، سنعرف بمجرد هذا الخيال الأسود أن فلسطين ومشروع المقاومة فيها هما أول الضحايا لسقوط سورية. وسنكتشف أن المقاومة في لبنان عندما وضعت قيد التنفيذ معادلة سماحة السيد حسن نصراللهلو اقتضى الأمر أن يذهب حزب الله كله للقتال في سورية فسيفعل، ولو اقتضى الأمر أن أذهب شخصياً للقتال في سورية فسأفعل، إنما كانت تؤدي مسؤوليتها تجاه مشروع المقاومة وتجاه فلسطين، وأن المسألة أبعد بكثير وأعمق بكثير، من مجرد الوفاء لسند، أو ردّ الجميل لحليف وصديق. وعندما نفهم لماذا حشد الغرب وكيان الاحتلال ومن معهم في المنطقة من تركيا والخليج، لمنح مشروع إسقاط سورية أو تقسيمها، فرصة جدية، ننتبه الى أن سورية حجر الرحى في توازنات المنطقة بين مشروع تكون يدإسرائيلفيه هي العليا، من جهة، ومقابله من جهة أخرى، ومشروع المقاومة الذي تشكل فلسطين قبلته وبوصلته الوحيدة، وعندها نعرف لماذا التقطت إيران بقرار من إمامها الشريف السيد علي الخامنئي لقمة الخبز من فهمها في أشد ظروف العقوبات قسوة، وحولتها إلى مصدر قوة لسورية، ولماذا غامرت روسيا بقيادة رئيسها الاستراتيجيّ الشجاع فلاديمير بوتين وجاءت بجيشها تقاتل في سورية، ننتبه أنه عندما تسقط سورية فإن العالم المستقل والحر هو الذي يسقط، فهي بيضة قبان العام، يميل حيث تميل.

ــ لأنها سورية، كانت حرب عالميّة معها وعليها، وكانت المقاومة وإسرائيلوجهاً لوجه فوق أرضها، ولأن القضية كانت وستبقى فلسطين، كان مهماً وحيوياً لمشروع إسقاط سورية أو تفتيتها أن يكون للعنوان الفلسطينيّ نصيب في هذه الحرب، لأنه يفقد الدفاع عن سورية القدسيّة التي تمنحها فلسطين لكل من حمل ويحمل رايتها، ولهذا كان لموقف حركة حماس من الحرب كل هذا الألم وكل هذا الأثر، لكن لذلك وجه آخر، وهو أن استعادة هذه الراية الفلسطينية الى ما نسمّيه خندق سورية، وهو خندق المقاومة الأصيل والعريق والصادق، هو أهم تحوّل في مسار الحرب على سورية ودخول فصولها الختاميّة في الطريق الى النصر الناجز، وخبرة حماس من السنوات العشر العجاف، تقول إن ما سُمّي بالربيع العربي والذي تراءى لها مدخلاً لمرحلة عربية جديدة يكون تنظيمها الإقليمي والدولي، الذي يمثله الأخوان المسلمون، سيّد القرار في عواصم المنطقة، لم يجعل الطريق الى فلسطين أقرب، بل أراد أن يأخذ فلسطين ليتقاسمها أحزمة أمن إسرائيليّة، تتوزّعها محاور المنطقة، لتعيد تجييرها تحت سقوف فتاوى حماية دار الخلافة، من أنقرة الى الدوحة الى القاهرة، لحماية أمن كيان الاحتلال، ومقابلها خيار أوسلو المقيم في خليج التطبيع يقوم بالمثل. وها هي حصيلة الخبرة المعاكسة تقول، إن الطريق الآخر الذي يعبر من دمشق، وحده الذاهب بصدق الى فلسطين، والذي يجعل القدس أقرب، وكما يجب أن تقول حماس إن دمشق حاضنة القدس وتعود، وها هي قالت وعادت، وجب ان نصغي لمعنى هذا الصوت، كتعبير عن انتصار فلسطينية حماس على أخوانيتها، بعدما انتصرت قبل عشر سنوات، أخوانيتها على فلسطينيتها.

ــ فلسطين هي معيار الصدق في الولاء لسورية، وسورية معيار الصدق في الولاء لفلسطين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى