أولى

في وداع الملكة اليزابيت

} بشارة مرهج*

بعد أن هدأت العاصفة الإعلامية الكبرى التي رافقت تشييع ملكة بريطانيا اليزابيت الثانية إلى مثواها الأخير بحضور رؤساء وملوك العالم، بمن فيهم الرئيس نجيب ميقاتي، صار من الممكن العودة الى الموضوع والتذكير بأنّ الصفات التي أُسبغت على الملكة بصفتها حاملة الأمانة وزعيمة الديمقراطية وحارسة الدستور ووجه الكومونولث الباسم، كلها صفات مضخّمة ولن تحجب صورة الإمبراطورية الكالحة التي استعمرت الشعوب وقهرت الأفراد ونهبت موارد الأمم وعاشت على ظهر الغير بواسطة الحديد والنار، كما بواسطة ضباطها القساة وديبلوماسييها العتاة.

وبالعودة الى آخر قرارات الملكة الراحلة فقد أصرّت على منح طوني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق لقب «سير» وهو السياسي الذي غطى وبرّر دور واشنطن الفظيع في غزوها للعراق وصبّ نارها وصواريخها على أهله لتشرّدهم وتغرقهم في تناقضات ما أنزل الله بها من سلطان.

إنّ طوني بلير الاستعماري الرخيص الذي باع ضميره لجورج بوش الابن وعاكس غالبيّة شعبه والقارة الأوروبية لا يستحقّ التكريم بل يستحق المحاكمة على الدماء العراقية التي لا تزال تسيل على يديه وتحكي عن الظلم المطلق الذي تمارسه العواصم الاستعماريّة على شعوب الأرض. فقد كان الأحرى بطوني بلير وملكته الراحلة أن يعتذرا اعتذاراً حقيقياً من الشعب العراقي وهما اللذان افتريا عليه وأعملا السكاكين برقاب أطفاله وأمهاتهم.

أما العمل الأول الذي قامت به رئيسة الوزراء الجديدة لبريطانيا ليز تراس فهو مكمّل لعمل طوني بلير واستطراداً لجريمة اللورد آرثر جيمس بلفور الذي «نزع» ملكية الشعب الفلسطيني عن أرضه ومنحها للحركة الصهيونية دون ان يرفّ له جفن، هذا العمل كان الإعلان عن عزمها نقل السفارة البريطانية في الأرض المحتلة الى القدس رغم وضع القدس الخاص ورغم مخالفة هذا الإجراء الإجرامي لكلّ القوانين الدولية التي تدّعي بريطانيا احترامها والعمل بموجبها.

إنّ القيادات البريطانية، خلا قلة احتكمت الى ضميرها واحترمت عقلها، كانت ولا تزال حتى اللحظة تشنّ حرباً لا تتوقف، وإنما تتغيّر أشكالها، على فلسطين ومعظم الدول العربية، وتضع نفسها بخدمة المشروع الصهيونيّ الذي زعزع الأمن والسلام الإقليميين منذ عقود ولا يزال.

ليس غريباً أن يعجب الكثير من سكان العالم بانضباطية الشعب البريطاني وتسييده للقانون والتزامه بالنظام والتقاليد التاريخية، لكن من حقنا أن نذكّر هؤلاء خاصة أبناء جلدتنا أنّ هذه النقاط المضيئة لن تطفئ ذكرى الجيوش البريطانية الاستعمارية في بلادنا كما في إيرلندا واسكتلندا والهند وقبرص وكينيا والباكستان وسواها.

ماتت الملكة أليزابيت عاش الملك شارلز في ظلّ إمبراطورية لا تغيب عنها الدسائس والمؤامرات والدماء، ولا تحضر فيها الاعترافات والاعتذارات عن الجرائم الكبرى التي ارتكبتها هذه الإمبراطورية المتعطشة للدماء والمختصة باحتقار استقلالات الشعوب واستباحة حقوقها.

مع الملك شارلز المتأثر بالإسلام والسيرة الإسلامية، كما يروّج، الامتحان مستمرّ، ولا بارقة أمل حتى الآن تدلّ على تغيير في سياسة التاج البريطاني تلك السياسة التي تتحفز اليوم لمرحلة جديدة في خدمة التاج الصهيوني الذي يحضّر لمذبحة جديدة للقدس الحبيبة والشعب الفلسطيني المناضل.

*نائب ووزير سابق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى