مقالات وآراء

«الحاكم» يعزل دولاره الأسود عن الإيجابيات…!

‭}‬ أحمد بهجة*
بغضّ النظر عن الموقف المبدئي الرافض بالمطلق لأيّ حديث عن وجود أو بقاء الكيان “الإسرائيلي” على أرضنا الطيبة في فلسطين، فإنّ الإعلان عن إنجاز الترسيم البحري جنوباً يُعتبر خبراً جيداً للبنان من الناحية الاقتصادية البحتة، ويُفترض بالمقاييس العلمية أن ينعكس إيجاباً على الداخل اللبناني، لا سيما على سعر صرف الدولار الأميركي.
لكن ما حصل هو العكس، فقد واصل سعر صرف الدولار صعوده في السوق السوداء وتخطى سقف الأربعين ألف ليرة، فيما استمرّ تدهور العملة الوطنية وقيمتها الشرائية التي باتت في الحضيض، وباتت معها الغالبية الكبرى من اللبنانيين في الحضيض أيضاً خاصة الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية في القطاعين العام والخاص.
وبينما كان المواطنون يراقبون هذا التدهور بعيون هائمة غير قادرة على التعبير لا عن حزن أو فرح ولا عن اهتمام أو لامبالاة… كان “الحاكم” رياض سلامة (ما غيره) يرتكب فصلاً جديداً من فصول جريمته الكبيرة جداً بحق اللبنانيين جميعاً، ويُعيد بـ “عنجهية” معزوفة “الليرة بخير” أمام بعض رجال الأعمال وبحضور أعضاء من جمعية مصارف لبنان.
هذا هو سبب الأزمة الفعلي والحقيقي، إنكار الحقائق والوقائع وغياب أيّ محاسبة أو مساءلة عن كلّ الارتكابات الحاصلة بحق لبنان واللبنانيين منذ ثلاثين سنة إلى اليوم، وعلى الأقلّ منذ ثلاث سنوات إلى اليوم، حيث طارت أموال الناس وودائعهم ومدّخراتهم وجنى أعمارهم، منها ما تمّت سرقته جهاراً نهاراً ومنها ما تمّ تهريبه وتحويله إلى الخارج في ليل دامس بعد ما سُمّيَ “ثورة” 17 تشرين الأول 2019.
لم يُتخذ أيّ إجراء أو قرار، تارة بفعل ضغوط من وراء البحار لحماية الذين نفذوا وما زالوا يُنفذون تعليمات مشغليهم الخارجيّين، وتارة أخرى بفعل خلافات وتجاذبات داخلية تتداخل فيها المصالح الخاصة وتغلّفها العصبيات الطائفية والمذهبية التي وضعت الخطوط الحمر ومنعت محاسبة ومعاقبة المسؤولين عن كلّ هذا الخراب والدمار الذي لحق بالبلد والناس والاقتصاد.
وعليه… لا بدّ من التنبّه إلى أنّ كلّ ما يمكن أن يحصل في لبنان من إيجابيات في الآتي من الأيام، سواء على صعيد استخراج الغاز والنفط، أو في حال تمّ اعتماد الحلول الإنقاذية التي تتضمّنها العروض الروسية والصينية والإيرانية، فإنّها ستذهب أدراج الرياح كما حصل سابقاً طالما لم يتمّ القضاء على منظومة الفساد التي يمثلها اليوم “الحاكم” ومَن معه من سياسيين ومصرفيين ورجال أعمال ودين وإعلام…!
لا علاج بوجود هذا “الحاكم” في موقعه، لأنه قادر من خلال هذا الموقع أن يعطي المنظومة التي تحميه ما تريده من صفقات وسمسرات حتى لو كان على حساب قوت الناس! ألم يفعل ذلك سابقاً مع الأموال التي صُرفت على الدعم منذ بدء تدهور العملة الوطنية إلى مطلع العام الحالي، والكلّ يذكر كيف تمّ دعم سلع لا علاقة لها بالسلة الغذائية والصحية التي تحتاجها العائلات في حياتها اليومية، وذلك لمصلحة التجار الكبار والشركات المستوردة على قاعدة 6 و 6 مكرر!
إذن هو يعطي منظومة الفساد ما تريده، وهي توفر له الحماية وتجعله خطاً أحمر، إضافة إلى الحماية الخارجية، ما يضعه فوق المساءلة والمحاسبة رغم أنه ملاحَق قضائياً في لبنان وفي أكثر من ست دول أوروبية، نتيجة ما أقدم عليه من ارتكابات واستغلال لمنصبه في سبيل تمرير صفقات من هنا وهناك خاصة تلك التي ثبت تورّطه فيها مع شقيقه وبعض معاونيه.
طبعاً نحتاج في لبنان اليوم إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة من أجل انتظام عمل مؤسسات الدولة، أولاً لأننا بغنى عن افتعال مادة سجالية جديدة على خلفية طائفية ومذهبية بشأن قدرة أو إمكانية أن تتسلّم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية في حال لم يتمّ انتخاب رئيس جديد ولم يتمّ تشكيل حكومة جديدة كاملة المواصفات، وثانياً والأهمّ أنّ الفراغ قاتل، لأنه لا يمكن القيام بأيّ عمل إنقاذي طالما الشلل يحكم المؤسّسات، بينما البلد بأمسّ الحاجة لوجود سلطة متكاملة فاعلة تتعاون مع المجلس النيابي من أجل إنتاج سياسات وحلول توفر علاجات مالية واقتصادية سريعة على المدى القريب، ثم تضع الخطط والبرامج الإصلاحية والتنموية اللازمة على المديَين المتوسط والبعيد، ودائماً لكي يصبح بإمكاننا القول إننا نسير على الطريق الصحيح…
*خبير اقتصادي ومالي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى