أولى

هل تنجح قمة الجزائر؟

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
بعد أيام قليلة وفي مطلع الشهر المقبل تنعقد في الجزائر القمة العربية الحادية والثلاثون بعدما تأجّل انعقادها لثلاث سنوات لأسباب يتعلق بعضها بجائحة كورونا فيما يتعلق بعض آخر بالخلافات العربية ـ العربية ذات الطابع الحدّي وعلى رأسها معارضة دول عربية حضور سورية القمة.
في هذه الأجواء المتأزمة تنعقد قمة الجزائر بعدما بذلت خلال السنوات الثلاث الماضية جهوداً كبيرة لتذليل عقبات تعثرها، والجزائر تريد إطلاق لقب قمة جمع الشمل العربي على قمتها، فهل ستنجح؟
من الاستعدادات لإنجاح القمة بادرت الجزائر بجهود لحلّ مجموعة من الأزمات كمقدمة لإنجاح القمة، فاحتضنت حواراً فلسطينياً بين أطراف الانقسام وأشركت به طيفاً واسعاً من القوى والشخصيات بهدف إنهاء الانقسام، المتحاورون قالوا كلاماً جميلاً ومداهناً للدولة المضيفة والتي نشأ الفلسطيني على حبها وتقديرها. تصافح المتحاورون وتبادلوا القبل والعناق ثم صدر بيان نمطي يتمظهر بشكل إيجابي، وإنْ كان لا يضع تصوّراً لحلّ المسائل الخلافية شأنه شأن أكثر من عشر جولات سابقة صدرت بها بيانات تشبه البيان الأخير، ولكنها انتهت إلى فشل ذريع باعد المسافة بين طرفي الانقسام.
سيصمد مشروع المصالحة هذا لوقت قصير، فالمهمّ أن لا يعلن عن فشله قبل انتهاء أعمال القمة، وأهمّ عناصر فشله أنّ أطرافاً في الانقسام لا تملك أصلاً قرارها في هذه المسألة وإنما القرار بيد القوة الفاعلة على الأرض والتي تصرّ رام الله على أن تنسّق معها، إنها (إسرائيل) التي تعمل على تعميق الانقسام.
كان للجزائر دور أيضاً وإنْ كان غير ظاهر في التقريب بين حركة حماس ودمشق، والذي تمثل بزيارة قام بها وفد حماس إلى الشام وقابل الرئيس بشار الأسد وتحدّث بلغة اعتذارية.
وفق المصادر الجزائرية، فإنّ القمّة ستركز على ثلاثة ملفات، الملف الأول أزمات العالم العربي والملف الثاني أزمة الطاقة والغذاء الناتجة عن تطورات الحرب الروسية الأوكرانية وكان لها تأثيرات حادة على العالم بأسره وعلى دول عربية بعضها استفاد من الأزمة التي رفعت أسعار النفط والغاز وبعضها من لا يملك نفطاً ولكن أصبحت أسعار الحبوب تهدّد أمنه الغذائي، والملف الثالث هو وضع حدّ للنزاعات في العالم العربي سواء بين دولة ودولة أو بين الشعب والدولة وحلها بشكل سلمي بعيداً عن منطق الحديد والنار.
هذه النزاعات هي حرب التحالف السعودي على اليمن والتي تبدو كأنها حرب لا نهاية لها، تتفوّق أو تتعادل بها القوى بين الشعب اليمني العنيد والعصيّ على الانهزام وبين الدولة الثرية والقادرة على شراء واستعمال أكثر أنواع التكنولوجيا العسكرية تطوراً وفتكاً، وكأنها معادلة انتصار الدم على السيف.
ثم الأزمة العراقية بين كلّ العراق والتي ذهبت بهذا البلد العريق من حكم الفرد الواحد والحزب الواحد إلى حالة من الفوضى التي لا يستطيع أحد السيطرة عليها والتي قسمت البلد فعلياً وإن لم يأخذ التقسيم صفته الدستورية القانونية.
ثم سورية الغائبة طوعاً والتي تريد بغيابها هذا إعطاء فرصة للجزائر لإنجاح القمة.
لبنان وأزماته المالية والمعيشية وترسيم حدوده وملف غاز المتوسط ثم الفراغ الرئاسي الذي إن حصل فسيذهب بالبلد نحو المجهول.
ليبيا وإن اختلفت العناصر وغابت الطائفية والاثنية، ولكنها ذاهبة بسرعة للحالة العراقية.
أزمة الدولة المضيفة نفسها مع جارها المغربي والتي قد تتحوّل بدورها إلى اشتباك مسلح وتعشش في تفاصيلها (إسرائيل).
في الشأن الفلسطيني تبدو الجزائر معنية بإعادة الاعتبار لمبادرة السلام العربية التي أطلقها العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز والتي تعرض السلام والتطبيع الكامل مقابل دولة فلسطينية، ولكن المشكلة ليست ما تريده القمة وإنما ما توافق عليه (إسرائيل) التي تدّعي أن لا شريك فلسطينياً قادراً على التفاوض متذرّعة بالانقسام المعنية بتعميقه حيناً، وبأعمال المقاومة (الإرهاب بالتصنيف الإسرائيلي) حيناً آخر، وربما أن الجزائر تقصد بالأساس المسألة الفلسطينية.
تستحقّ الجزائر الثناء على جهودها حتى وإنْ توقعنا الفشل لقمتها هذه، فالحال العربي لا يختلف كثيراً عن الحال الفلسطيني، فارتباطات القادة العرب ووضعهم أولويات بقائهم في موقع يتقدّم على أمن بلادهم القومي أو على الأمن المشترك للعالم العربي ستحول دون الوصول إلى نتائج مفيدة ولكن تملك الجزائر شرف المحاولة.
يذكرنا قول لمحمد حسنين هيكل في توصيف للوضع العربي «إنّ قيادة العرب قد انتقلت من بلد الثورة إلى بلد الثروة».
*سياسي فلسطيني 
مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى