نقاط على الحروف

زيارة بلينكن ومسار القطب المخفيّة

ناصر قنديل

 

تحاول واشنطن تحييد منطقة الشرق الأوسط عن شاشة المناطق المتفجّرة، وهي لأجل ذلك رمت بثقلها لإنهاء ترسيم الحدود البحرية اللبنانية وتجرّعت الكأس المرة للتسليم بطلبات لبنان بسبب ما وصفه المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين من خطر نشوب حرب هدّد بها حزب الله وأظهر جدية في الاستعداد لخوضها.

تؤكد واشنطن في كل مناسبة أنها منشغلة بأولويات جديدة، واحدة هي مواجهة الصعود الصيني شرقاً، وثانية هي مواجهة التحدي الروسي شمالاً، ذلك أن النظام العالمي الذي ولد بعد نهاية الحرب الباردة قد انتهى، وهناك سباق محموم لصياغة نظام عالمي جديد لا تستطيع واشنطن وحلفاؤها الغياب عن مسرح الصراع حوله، كما يقول وزير الخارجية الأميركية انتوني بلينكن، وأنها لذلك تخشى تمدّد خصومها في الشرق الأوسط مستفيدين من غيابها، ولذلك عليها تأكيد هذا الحضور منعاً لأي شعور بالفراغ، كما قال الرئيس الأميركي جو بايدن.

حتى الآن لم تنجح واشنطن بإقناع حلفائها بأنها حاضرة بقوة في المنطقة، وأن عليهم الاطمئنان لوجودها كحليف، وعدم التفكير بالبحث عن سياسات خارج عباءته، ها هو الحليف الأبرز في الناتو تركيا يمضي بعيداً في رسم سياساته المستقلة، والحليف الأشد أهمية اقتصادياً هو السعودية لا ينفك يمضي بعيداً في حسابات مستقلة عن واشنطن كما تقول علاقاتها المتنامية بروسيا والصين، وأحياناً على حساب علاقته بواشنطن.

حاولت واشنطن إشغال المنطقة والحلفاء بالرهان على تغييرات في إيران على ايقاع الأحداث التي شهدتها قبل شهور قليلة والإيحاء أن إيران امام تغيير جذري، يجب الاستثمار فيه وانتظار نتائجه، أملاً بمنع اي تموضع نحو إيران من قبل دول الخليج خصوصاً، يطيح بالتطبيع مع «إسرائيل» من جهة، ويكمل التموضع السعودي مع روسيا والصين، لكن الأحداث انتهت، وعادت المخاوف من خيارات مقلقة لواشنطن.

تدرك واشنطن أن فتيل تفجير الأحداث التي تخرج عن السيطرة هي فلسطين، وتؤمن أنها لم تعد تستطيع التحدّث عن ضمان أولويتها الأولى في المنطقة وهي ضمان أمن الطاقة، وتواجه تهديداً جدياً في أولويتها الثانية وهي أمن «إسرائيل»، ومصدر هذا التهديد، يأتي أولاً من صعود جماعات سياسية «إسرائيلية» يمكن أن تدفع الوضع في الأراضي المحتلة والمنطقة نحو الانفجار، بينما هناك جيل فلسطيني جديد يبدو واضحاً أنه خارج السيطرة، وأن محاولات ضبطه عبر الضغط على السلطة الفلسطينية والفصائل المقاومة ليس مجدياً، وأن التهدئة التي تحتاج إليها واشنطن يجب أن تشتريها وتدفع ثمنها على الضفتين الإسرائيلية والفلسطينية.

جاء وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الى المنطقة بعد زيارات لكل من مستشار الأمن القومي جاك سوليفان ومدير المخابرات وليم بيرنز، ما يعني أن هناك خطة يشتغل عليها الأميركيون، بدأت المهمة على محاولة مقايضة التهدئة الإسرائيلية والقبول الإسرائيلي بتعويم السلطة الفلسطينية، بوعود أميركية في الملف الإيراني، محورها الالتزام الأميركي بعدم العودة الى التفاهم النووي إلا بالتنسيق مع «إسرائيل»، وتزويد «إسرائيل» بأسلحة نوعية ترفع نسبة جهوزيتها لأي مواجهة محتملة مع إيران، وعندما تأكدت المعطيات عن نهاية الأحداث في إيران واقترب موعد زيارة بلينكن، كانت واشنطن تسعى لاستبدال الالتزامات الأميركية حول إيران، بالتزامات مالية وتسليحية أميركية لـ «إسرائيل»، التي كانت تختبر صدق النيات والوعود الأميركية حول إيران، بعملية تنفذها طائرات مسيّرة صغيرة في أصفهان.

واشنطن ترسل وزير خارجية قطر الى طهران لطلب استئناف التفاوض حول الملف النووي، والمبعوث الأميركي الخاص بإيران روبرت مالي يقول على بي بي سي إن خيار التفاوض عاد الى مقام الأولوية على الطاولة، بينما بلينكن يبدأ جولته في المنطقة ومباحثاته في تل أبيب، ولم يبق بين يديه إلا الكلام، ملتزمون بأمن «إسرائيل» وبحلّ الدولتين، ولا شيء تقبله «اسرائيل» لمنع انهيار جغرافيا حلّ الدولتين، وتفكك السلطة الفلسطينية، ولا شيء تملكه السلطة الفلسطينية لأمن «إسرائيل»، فيشتري بمال أميركي بدلاً من الأموال المحجوزة من حسابات السلطة الفلسطينية عودة التنسيق بين السلطة ومخابرات الاحتلال، وهو يعلم أن الأمور لن تتأخر عن الخروج عن السيطرة مرة أخرى.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى