أولى

شرق المتوسط بعد الزلزال: تداعيات وتحوّلات تستوجب معالجات جذرية مشتركة

‭}‬ د. عصام نعمان*
لن تكون الدول في شرق المتوسط بعد الزلزال أبداً كما كانت قبله. على مدى البرزخ البري والبشري والحضاري بين شواطئ البحر المتوسط في الغرب وشواطئ الخليج العربي في الشرق، ستصبح الدول بعد الزلزال مغايرةً تماماً بكلّ مستوياتها. الزلزال الجيولوجي العنيف ضربها جميعاً وتسبّب بزلزالٍ اجتماعي وآخر سياسي لا يمكن حصر تداعياتهما في أمد قصير.
من محور الزلزال الجيولوجي في كهرمان مرعش بجنوب تركيا، اندلعت ألوف الهزات والارتدادات على مدى ثلاثة أيام في عشر ولايات تركية بجنوب البلاد ووسطها، وفي شمال سورية وغربها، وبوتيرةٍ أخفّ في شمال غرب العراق، كما في شمال لبنان وساحله الغربي، وفي شمال شرق فلسطين المحتلة أيضاً.
التفاوت في فعالية الزلزال أنتج تفاوتاً في تداعياته، لكنه أضحى هاجساً مقيماً في كلّ البلدان المشرقية التي ضربها، لا سيما تركيا وسورية حيث فعاليته كانت الأقوى والأسوأ إذ بلغ عدد القتلى فيهما نحو 30 ألفاً والجرحى عشرات الآلاف والمتضرّرين أكثر من 25 مليوناً.
في مجمل وجوه هذه المشهدية الزلزالية التي عصفت ببلدان شرق المتوسط، يمكن رصد الواقعات والتداعيات والتطورات الآتية:
ـ تدمير مظاهر ومرافق العمران وتهجير السكان على جانبي الحدود بين تركيا وسورية.
ـ إنسداد المعابر بين تركيا وسورية ما حمل المهجّرين الأتراك على التوجّه شمالاً في عمق البلاد، والمهجّرين السوريين على التوجّه جنوباً في عمق البلاد ايضاً ما أدّى ويؤدّي الى مزيدٍ من تدفق المهجّرين السوريين الى لبنان والجوار.
ـ تضييق عمليات الإنقاذ والإسعاف في مناطق “الحكم الذاتي” التي يديرها تنظيم “قسد” الكردي المناهض للحكومة المركزية في دمشق وذلك بإيحاء من قيادة القوات الأميركية المتمركزة في مناطق شرق الفرات وتلك المسيطرة على مناطق آبار النفط في غرب محافظة دير الزور، كما في منطقة التنف على الحدود بين سورية والعراق.
ـ امتناع الولايات المتحدة، بادئ الأمر، عن تخفيف العقوبات والقيود الاقتصادية التي تفرضها بموجب “قانون قيصر” على سورية كما على الأطراف التي تتعامل معها أعاق بل عطّل أحياناً عمليات النجدة وإيصال المساعدات الإنسانية المرسلة الى المناطق المتضرّرة.
ـ بعد اشتداد حملات الاستنكار العربية والإسلامية على الموقف الأميركي العدائي وغير الإنساني، قامت واشنطن بإبداء بعض المرونة بأن علّقت العقوبات والقيود المفروضة بموجب “قانون قيصر” لمدة 180 يوماً فقط، مع تأكيدها على استئناف العمل بها لاحقاً.
ـ قيام مؤسسات رسمية وشعبية في لبنان والعراق بتجاوز العقوبات والقيود الأميركية المفروضة على سورية بإرسال شتى أنواع المساعدات الإنسانية واللوجستية إليها ما أدّى الى كسرٍ جزئي للحصار الأميركي المفروض عليها وأفسح في المجال لتوسيع حجم الكسر بما يؤدّي الى تقليص مفعول العقوبات والحصار.
هذه التطورات والمبادرات الحاصلة والمرتقبة ستنتج بدورها تحوّلات وازنة على النحو الآتي:
أولاً: تعاظم مبادرة سياسية كانت أطلقتها الجزائر ثم تبنّتها مصر وتدعمها تونس ويواكبها لبنان هدفها رفع الحصار السياسي والاقتصادي المفروض على سورية منذ 12 عاماً بقرار من جامعة الدول العربية، إقترن لاحقاً بعقوباتٍ فرضتها الولايات المتحدة وشاطرتها في التنفيذ دول أطلسية في غرب أوروبا.
ثانياً: تسريع التعاون بين إيران والعراق دعماً لسورية على الصعيدين الإنساني والاقتصادي.
ثالثاً: تصاعد دعوة صارخة أطلقتها قوى شعبية متعــددة في العراق والأردن ولبنان وفلسطين لدفع حكوماتها وسلطاتها الى التواصل والتعاون بفعاليةٍ أكبر مع الحكومة المركزية في دمشق بغية مواجهة تداعيات الزلزال على شتى المستويات.
رابعاً: إنطلاق حملات شعبية ضاغطة على الحكومات العربية مطالبةً بوجوب المبادرة الى عقد مؤتمر للتعاون الاقتصادي والإنمائي وإدارة الكوارث بين دول شرق المتوسط العربية، أيّ لبنان وسورية والعراق والأردن ومصر وتنظيمات المقاومة في قطاع غزة والضفة الغربية، بالإضافة الى تركيا أيضاً (بفعل ضغوط قوى المعارضة فيها) وذلك لمواجهة التحديات والتحوّلات الناجمة عن الزلازل بما يضمن مواجهة تحدياتها المرتقبة.
خامساً: يُخشى، في المقابل، قيام الولايات المتحدة بتعزيز دعمها الشامل لـِ “إسرائيل” من جهة، ومن جهة أخرى للتنظيمات الإرهابية الناشطة ضدّ سورية وحكومتها المركزية كما ضدّ إيران وأطراف محور المقاومة بقصد إضعافها وتشتيت قواها.
سادساً: لا يُستبعد ان تؤدّي هذه الجهود المعادية سالفة الذكر الى وقف المساعي والمفاوضات الرامية الى إحياء الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة وذلك تحوّطاً من أميركا و”إسرائيل” لإمكانية قيام إيران، نتيجةَ رفع الحجز عن مليارات الدولارات من أموالها المجمّدة في الولايات المتحدة وحليفاتها، الى استعمالها في تعزيز قدراتها الذاتية كما في دعم سورية مالياً وعسكرياً وكذلك غيرها من أطراف محور المقاومة المناهضة لمخططات أميركا وسائر دول حلف شمال الأطلسي (الناتو).
سابعاً: يُرجّح قيام روسيا بتطوير سياستها الخارجية ومخططاتها الاستراتيجية بإتجاه المزيد من التعاون والدعم الإقتصادي والعسكري لأطراف محور الممانعة والمقاومة، خصوصاً في مواجهة مخططات الولايات المتحدة و”إسرائيل” في منطقة شرق المتوسط.
كلّ هذه التداعيات والتطورات والتحوّلات تشير الى انّ دول شرق المتوسط مُقبلة على توليف مشهدية مغايرة تماماً لما هي عليـه اليوم.
* نائب ووزير سابق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى