القيم الإنسانية والعولمة (2)

‭}‬ مأمون ملاعب
نستطيع القول إنّ الأيديولوجية الوحيدة الثابتة في سياسة الولايات المتحدة الأميركية هي: النفاق والخداع والتعجرف، أما قيَم الحرية والعدالة وحقّ تقرير المصير لدى الشعوب فهي استنسابية ترفعها الولايات المتحدة لغاية الاقتصاص من الشعوب أو الدول وليس لغاية بناء القيم في الحضارة الإنسانية. حتى الديمقراطية وبصرف النظر عن كيفية تطبيقها داخل أميركا لا يعنيها نشرها بل تستعملها وهماً وحججاً زائفة.
عام 1971 حرّرت الولايات المتحدة الدولار من التغطية الذهبية ضاربة بعرض الحائط بالتزامها تجاه بقية الدول وبذلك تحوّلت العملة الأميركية إلى سلاح من أسلحة الدمار تحارب به الأخصام أو الخارجين عن الطاعة.
دخل العراق الكويت بضوء أميركي وما أن صدر القرار رقم 660 والذي سعت إليه الولايات المتحدة، القاضي بانسحاب العراق حتى حاول الأخير اللعب بذكاء حين اشترط تطبيقه القرار هو تطبيق كلّ قرارات الأمم المتحدة وبالأخص رقم 242 القاضي بانسحاب (إسرائيل) من الأراضي التي احتلتها عام 1967. إنه لمن الغباء بمكان أن يظنّ أنّ هناك أمماً متحدة يعنيها العدل والمساواة أمام القانون وأنّ أميركا ستربك، بل نصبت نفسها شرطي الأمم المتحدة الذي يفرض القرار بالقوة عند المخالفين، لإرادة الولايات المتحدة وليس عند المخالفين للقرارات. أعلنت الحرب (لتحرير الكويت) سبق ذلك وضع الولايات المتحدة يدها على ودائع الكويت بالبنوك الأميركية، ثم أقامت قواعد عسكرية لها على أراضي دول الخليج متحكّمة بمنابع النفط بالقوة، إضافة إلى التحكم بالشركات، ومع نهاية الحرب فرض دفع الكلفة على دول الخليج ثم على العراق المهزوم في اتفاقية النفط مقابل الغذاء.. لم تكتف بمحاصرة العراق وتجويعه لعشر سنوات بل عادت لتحتلّ العراق، فارضة وجهها الاستعماري، بحجة إزالة أسلحة الدمار الشامل التي حاضر عنها وزير خارجيتها كولن باول والذي عاد واعترف أنه كذب. ماذا يعني أن تعترف الولايات المتحدة أنها كذبت أو أخطات بموضوع أسلحة الدمار بعد أن احتلت العراق ودمرته غير التعجرف والاستكبار؟ هذا عدا عن مجموعة من أكاذيب الحرب التي ارتكبت فيها المجازر.
أنشأت الولايات المتحدة بالشراكة مع المملكة السعودية تنظيم القاعدة. ليشكل «مقاومة جهادية إسلامية» في وجه الملحدين الشيوعيين في أفغانستان بعد احتلاله من قبل الاتحاد السوفياتي، وأقامت لها معسكرات التدريب على أرض باكستان وسلّحتها. بعد ذلك اتهمتها بالإرهاب وحوّلتها إلى عدو خطر وصولاً إلى إحداث 11 ايلول 2001، المشكوك بدور مخابراتها فيها، وإلصاق التهمة بالقاعدة تبريراً للدخول الى أفغانستان واحتلالها، دون القضاء على القاعدة.
على المنوال نفسه أنشأت أميركا داعش من رحم القاعدة وسيلة إرهابية حيث تحتاج ثم أعلنتها عدواً إرهابياً يجب القضاء عليه لتحتلّ أجزاء من سورية ومن العراق من جديد، دون القضاء عليها بل أمّنت الحماية لأفرادها ونقلتهم حيث تحتاجهم.
كان جورج بوش الابن يخطب بالجمهور، تحريضاً للحرب، أنّ العراق بأسلحة الدمار الشامل يشكل تهديداً قومياً للولايات المتحدة! هل كان غبياً لهذه الدرجة أم أنّ استغباء الجمهور واحد من أساليب التطوّر في أميركا؟
مع نهاية الحرب الباردة اتفقت الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفياتي السابق على استقلال جمهوريات الاتحاد شرط أن لا يتوسّع الحلف الأطلسي إلى أوروبا الشرقية والى دول الحلف، لكن أميركا وكعادتها لا تقيم وزناً لا للاتفاقات ولا لتعهّداتها ولا للآخرين فانضمّت دول أوروبا الشرقية واحدة تلو الأخرى إلى الأطلسي ثم بعض دول الاتحاد السوفياتي السابق وصولاً إلى أزمة أوكرانيا. ما الحاجة إلى الحلف الأطلسي في غياب غيره من الأحلاف؟ تفكك حلف وارسو وانهارت الشيوعية ولم يبق في العالم أخصام لأميركا يهدّدونها فلماذا يتوسّع الحلف الأطلسي؟
الولايات المتحدة لا تحترم المجتمعات ولا قيَمها ولا تاريخها ولا يعنيها السلام والاستقرار على الكرة الأرضية ولا تقيم وزناً للمؤسسات الدولية الشريكة فيها. الأمم المتحدة ومحكمة العدل والجمعيات الدولية كلها مطيّات. ليس إلا. توسع الحلف الأطلسي شرقاً بغية حصار روسيا وتفكيكها في ما بعد وإنهاء وجودها دولة كبرى حتى لو ضعيفة وغير منافسة وحتى لو تمّ ذلك على حساب ايّ شعب او دولة من جورجيا التي خسرت جمهوريتين إلى أوكرانيا التي خسرت الكثير وتدمّرت وتهدّد وجودها. كلها خسائر مهمشة خلال الحروب الأميركية مثلهم مثل ضحايا ملجأ العامرية في بغداد والذين لم يحصلوا إلا على تبرير أميركي يقول إنه خطأ غير مقصود!
هذا غيض من فيض النفاق والاستكبار والذي يطول ويطول الحديث عنه…