أولى

نجاح أردوغان
 وتحديات «الشرعية الإقليمية»

‭}‬ د. جمال زهران*
أخيراً، وبعد منافسة عنيفة، نجح أردوغان بنسبة (52.2%)، في مواجهة خصمه (كليجدار أوغلو) الذي حصل على (47.8%) في جولة الإعادة، بعد عدم حصول أيّ من المرشحين على نسبة تتجاوز الـ (50%)، وسط توقعات إعلامية، واستطلاعات الرأي العام، أنّ أردوغان سيكسب من الجولة الأولى وبنسبة تتعدّى الـ (60%)! الأمر الذي يؤكد تراجع شعبيته وذلك نتيجة طول فترة استمراره في الحكم، واضطراب سياساته الخارجية إقليمياً ودولياً. في الوقت نفسه فإنّ مجمل سياساته الداخلية أدّى إلى تمكنه من النجاح هذه المرة بصعوبة، باعتبارها كانت سياسات في خدمة الشعب التركي الذي لا يزال متحمّساً له بالنسبة التي أسهمت في نجاحه.
وباعتبار أنّ هذه المدة هي الأخيرة في الرئاسة، ومستمرة لخمس سنوات، فإنّ مرشح العدالة والتنمية المقبل، وأغلبية هذا الحزب في البرلمان، في مأزق متوقع، حال استمرار سياسات أردوغان، الإقليمية والدولية، كما هي، وبدون تغيير. ومن ثم فإنّ المصلحة السياسية لأردوغان وحزبه، تتطلب المراجعة في السياسات، استجابة لتحدّي الاستمرار في السلطة، مستقبلاً.
والسؤال: ماذا عن التغييرات المتوقعة في سياسات أردوغان؟
1 ـ التغيير في الجبهة السورية: لو لاحظنا أنّ أردوغان كان يسعى إلى إعلان أيّ تصالح مع سورية، لدعمه في الانتخابات. حيث كانت الورقة السورية ملوّحة طوال الوقت في المبارزات الانتخابية، وحاضرة لدى الجمهور التركي، والسوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية. إلا أنّ التشدّد السوري في مطالبه، حال دون الوصول إلى مجرد اتفاق، بل أصرّ الرئيس بشار الأسد، على الرحيل التركي الكامل من الأراضي السورية في الشمال الغربي وإدلب، وإنهاء الدعم التركي للإرهابيين، وتسوية الحدود. في الوقت نفسه فإنّ سورية لم ترفض الاستمرار في اجتماعات المفاوضات برعاية روسية وإيرانية مع تركيا، لوضع النقاط على الحروف. ولذلك فإنّ هذه الجبهة السورية، هي أولى القبلات التي على أردوغان أن يحسمها، ويغلق باب التورّط الذي أسهم في زيادة الإنفاق والأعباء على الميزانية، وانخفاض قيمة الليرة التركية في مواجهة العملات الأخرى، رغم قوة الاقتصاد وعماده الإنتاج في كلّ المجالات. وأتوقع أن ينحاز أردوغان إلى حلّ شامل للجبهة السورية، وكسب روسيا وإيران، وربما السعودية التي بادرت برغبتها في الانضمام للمفاوضات التي سيتمّ تنشيطها فور حلف اليمين للفترة الجديدة لرئاسته لتركيا.
2 ـ التغيير في الجبهة الليبية: بالملاحظة أيضاً، فإنّ أردوغان، أسهم في مؤامرة تقسيم ليبيا، وذلك بدعمه لجماعة طرابلس، بالمال والسلاح، وأصبح هناك حكومتان وبرلمانان، وسلطتان، وجيشان، والأمر يحتاج إلى جهود ضخمة في إنهاء هذا الانقسام، وقبول منطق رعاية الأمم المتحدة، والتسليم بإرادة الشعب الليبي، وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لوقف التدمير الممنهج للدولة الليبية وشعبها. ويستلزم لتحقيق ذلك، التنسيق مع الدولة المصرية، باعتبارها هي الخط الأحمر، الذي حدّدته مصر، عند مدينة «سرت»، كخط فاصل أمام أيّ محاولة للقوات المدعومة من تركيا، بتخطّيه!
3 ـ التغيير في الجبهة المصرية: فالعلاقات المصرية التركية، دخلت مرحلة التفاوض والتحسن، ظهرت ثمراتها في قيام الرئيس المصري بمكالمة أردوغان وتهنئته بالنجاح، كما شاركت مصر في احتفالية التنصيب بمستوى وزير الخارجية (سامح شكري). والثابت حتى الآن أن تطوّر العلاقات في طريقها إلى التحسن السريع بعد التحسّن التدريجي والبطيء. وقد بودلت الزيارات من جانبي وزيري الخارجية في البلدين، والإعلان عن عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما في القريب العاجل، إن لم يكن قد انتهى في السر!
وعلى أية حال، فإنّ هذا الملف، أو هذه الجبهة، مسألة شائكة، أقلها في الدرجة، المسألة الليبية، وأكثرها ملف الدعم التركي لجماعة الإخوان، وأنّ قطر، على الخط في هذه المسألة. وأرى أنّ المصاعب كبيرة في هذه الجبهة، ولكن البدء باستعادة العلاقات الدبلوماسية في البلدين، والزيارات المتبادلة بين رئيسي الدولتين، وبما يسهم في تفكيك الأزمة في العلاقات.
وفي إطار الدراسات العلمية التي كانت تحت إشرافي، أو التي ناقشتها في عدة جامعات مصرية، فإنّ الرئيس التركي أردوغان، يتسم بالبراغماتية والعملية، وليس عقيدياً، ولذلك فإنّ قدرته على إعادة هيكلة سياساته الخارجية في الإقليم، تتسم بالواقعية والأقرب إلى الحدوث. الأمر الذي يجعلنا نقول إنّ حال التغيير في الجانب التركي، بما يحقق مصالح الأطراف العربية في سورية ومصر وليبيا، ستكون بداية «الشرعية الإقليمية» الجديدة لتركيا (أردوغان) في السنوات الخمس المقبلة، وهو ما نتوقعه ونراه.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى