أخيرة

إعادة التدوير واقتصاد المستقبل…

‭}‬ سارة السهيل
يعاني كوكبنا الأرضي من تقلص الموارد الطبيعية، وتزايد المخلفات والقمامات الضارة بالبيئة والصحة العامة، في حين انّ استمرار الحياة على الكوكب يتطلب توافر الموارد لاستدامة الحياة، مما يوجب على البشرية البحث الفوري عن البدائل.
والنفايات والمخلفات البشرية والزراعية وغيرها كنا ننظر إليها بتأفّف وندرك خطورتها على البيئة والصحة خاصة أنها كانت تلقى في البحار والانهار والشواطئ وتلوّث البيئة بحراً وهواء متسبّبة بالنهاية في ما يعاني منه كوكبنا الأرضي من الاحتباس الحراري.
لكن هذه النفايات بنظر العلماء اليوم تعدّ ثروة اقتصادية هائلة يجب استثمارها واستغلالها في ما يُعرف بإعادة التدوير، واقتصاد إعادة التدوير يراهن عليه الخبراء ويرونه اقتصاد المستقبل، خاصة أنه يدخل في العديد من المجالات الاقتصادية زراعية وصناعية.
وتصدّرت ألمانيا دول الاتحاد الأوروبي والعالم في اقتصاد إعادة التدوير واستفادت من كلّ النفايات المنزلية والعضوية وتخلصت منها بتحويلها الى صناعات ورقية وزجاجية وأجهزة كهربائية.
والحمد لله، فإنّ بعض دولنا العربية كان سبّاقاً في ثقافة اقتصاد إعادة التدوير، وخاصة سورية، حيث كانت الناس في سورية أول من انتبه الى تجنّب الهدر والاستفادة من كلّ شيء صالح أو لم يعد صالحاً بتدويره ليصبح شيئاً مختلفاً، لكن صالحاً للاستخدام وحتى لو بدا الأمر بدائياً في الأول ومحصوراً في المنزل والحديقة والحقل من بقايا الطعام وتدويره حتى في إعادة إنتاج أكلات من طبخات اليوم السابق، او تدوير الملابس والستائر وأغطية السرائر. ففي العديد من المنازل السورية يتمّ مثلاً تحويل زيت القلي المتبقي إلى صابون معطر محلي الصنع، ومع الوعي المجتمعي لأهمية التدوير بدأ الأمر يتطوّر شيئاً فشيئاً فأصبح يتمّ استبدال كل خمس أوعية لبن بلاستيكية فارغة في البقالة بوعاء مليء باللبن، في حين يتمّ جمع الخبز القديم وقشور البيض لاستخدامها لاحقاً كعلف للدجاج او لصنع سماد عضوي.
وقد ثبت عملياً انّ إعادة التدوير يخلق العديد من فُرص العمل لملايين البشر، ويحقق مدخولات مالية كبيرة للشركات والأفراد الذين يتوجّهون لهذا النوع من الاقتصاد، كما انّ بعض مجالاته يسهل إنجازها داخل المنازل.
كما توفر عمليات إعادة تدوير المخلفات تكلفة نقلها والقائها بالبحار والأنهار او دفنها في باطن الأرض، ويحمي الأرض والهواء من التلوث الناتج عن الغازات المنبثعة عند إحراقها.
وبحسب الخبراء المتخصّصين، فإنّ إعادة تدوير أطنان المخلفات يحافظ على الموارد للأجيال القادمة، ويقلل تكاليف الإنتاج والطاقة المستخدَمة، فضلاً عن إنتاج قيمة مضافة.
فالمخلفات الزراعية، يعاد تدويرها وتتحوّل الى ثروة من الأعلاف العضوية والأسمدة والطاقة اللازمة للزراعة، وكذلك جريد النخيل يصنع منه أقفاص واشغال يدوية وخواتم آنية جميلة.
واستطاع العلماء إنتاج عيش الغراب (الفطر) باستخدام قش الأرز أو التبن أو حطب القطن أو مصاصة القصب أو نشارة الخشب، وكذلك توصلوا الى إمكانية إنتاج طاقة البيوجاز من المخلفات الزراعية، من خلال تخمير مخلفات الحيوان (الروث) تخميراً لاهوائياً فى مخمرات خاصة لإنتاج البيوجاز الذى ينطلق من المواد العضوية، وكذا تحويل قش الأرز إلى غاز حراري، وإنتاج الخشب الحبيبي من المخلفات الزراعية وخاصة حطب القطن وقش الأرز.
أيضاً الحوائط الأسمنتية التى يتمّ هدمها من المنازل يصنع منها نوع جديد من الطوب يتمّ تعشيقه في بعضه بدون إسمنت، وهي طوبة من الممكن فكها وإعادة استخدامها مرة أخرى كما يقول المتخصصون.
وفي تقديري انّ العالم العربي بحاجة الى تعظيم اقتصاد إعادة التدوير لعلاج الأزمة الاقتصادية الحالية عربياً وعالمياً، وتقليص نسب البطالة المنتشرة في أرجاء وطننا العربي، ولكن هذا لن يتحقق دون نشر الوعي بثقافة إعادة التدوير، وتوفير المعلومات الخاصة بكيفية إعادة التدوير بما لا يتسبّب في حدوث مشاكل صحية للقائمين عليها.
وأظنّ أنّ الحكومات العربية بحاجة اليوم للقيام بدورها في توفير المناخ المناسب والأدوات المطلوبة لتشجيع العاطلين عن العمل للدخول إلى سوق إعادة التدوير، والاستفادة من وجود المدارس والجامعات والمراكز البحثية في تدريب الكوادر الشبابية على صناعات إعادة التدوير التي تجري حتى اليوم بعالمنا العربي بجهود فردية.
ولا بدّ أن تتواصل جهود الحكومات العربية في دعم اقتصاد إعادة التدوير بسنّ تشريعات قانونية للعمل في هذا المجال، وتحفيز العاملين به من خلال دورات تدريبية من المتخصصين للمقبلين على هذا العمل وتزويدهم بالخبرات العالمية الحديثة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى