نقاط على الحروف

رسائل أميركية
 بتوقيع خليجي

ناصر قنديل

– لا يمكن إيجاد الأسباب المباشرة للقرارات التي صدرت عن دول الخليج وترجمت ببيانات عنوانها الطلب الى رعايا هذه الدول بمغادرة لبنان أو اتخاذ الحيطة والحذر فيه، بداعي مخاطر أمنية، فليس هناك مخاطر أمنية مستجدة تهدّد هؤلاء الرعايا أو تهدّد الوضع في لبنان، والبيئة الأمنية المحيطة بالوضع اللبناني او بالرعايا الخليجيين هي ذات البيئة التي كانت قبل أسبوع وقبل شهر وقبل شهور، وفرضية أن يكون الوضع الأمني العام هو مصدر القلق، ساقطة بحكم أن لا دولة غربية أصدرت موقفاً مشابهاً، لا بل انّ الدولة التي تمّ تسريب بيان باسم سفارتها عن دعوة العرايا للحذر، وهي ألمانيا عاجلت إلى نفي الخبر.
– الجامع المشترك الذي تلتقي عليه دول الخليج أيّ السعودية والامارات وعُمان وقطر والكويت والبحرين، في التعامل مع لبنان ووضعه الأمني لا تتصل بحسابات خاصة بهذه الدول، فلكلّ دولة منها حساباتها المختلفة، وبعضها لم يسبق أن أصدر موقفاً مشابهاً من قبل، رغم وجود ظروف أمنية تدعو للقلق، خصوصاً أنّ قرار حكومات بعض هذه الدول منع السفر الى لبنان لا يزال ساري المفعول بالنسبة للدول التي اعتاد لبنان أن يستقبل رعايا في موسم الاصطياف، ولا أعداد يُعتدّ بها من هؤلاء الرعايا قد جاء الى لبنان، لافتراض انّ النتيجة المرجوة هي سحب هؤلاء الرعايا أو تحذيرهم.
– النتيجة المرتقبة لهذا الإعلان الجامع من دول الخليج هو خلق حالة من الذعر العام حول فرضية وقوع حدث أمني كبير في لبنان، يؤدّي الى اهتزاز موسم الاصطياف الذي سجل أرقاماً غير مسبوقة، سواء بحجم الوافدين، وأغلبهم من اللبنانيين، والرقم يقارب المليونين وقد يقفل على ثلاثة ملايين مع نهاية الموسم، أو بحجم الأموال التي تدفقت على الأسواق وقد قاربت الثمانية مليارات دولار وقد تصل إلى عشرة مليارات مع نهاية الموسم، ما أفقد القدرة على استخدام سوق الصرف كأداة ضغط، سواء في السياسة والاستحقاقات السياسية وخصوصاً الاستحقاق الرئاسي، أو في الخيارات الاقتصادية كما صرح قادة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، عن ما وصفوه بخطورة التأقلم اللبناني، وظهر فقدان القدرة في ظلّ وجود الحاكم السابق للمصرف رياض سلامة المعتمد لتنفيذ سياسات الضغط عبر سوق الصرف، فكيف بعد نهاية ولايته ورحيله، واحتمال انعكاس التدفقات المالية تحسّناً في سعر الصرف.
– يتزامن ذلك مع الأنباء عن بلوغ الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر حول الاستحقاق الرئاسي مرحلة متقدّمة من التفاهمات، بما يمثل نوعاً ثانياً من التأقلم اللبناني الذي يفقد الغرب القدرة على ممارسة الضغوط والابتزاز، وقد وجد نفسه في قلب لحظة صعبة، فهو يتحدث عن تهديد العقوبات لمن يعطل النصاب، بعدما نام على حرير امتلاك تصويت قابل للتحوّل الى أغلبية لصالح مرشح التقاطع النيابي، وينقصه تأمين النصاب لإنجاز الانتخاب وإنتاج رئيس يعمل تحت وصاية الغرب وصندوق النقد الدولي، ليصحو على أشواك فرضية تشكيل أغلبية كافية لإيصال مرشح تؤيده المقاومة، يحتاج إلى النصاب لانتخابه رئيساً، ويجب على الغرب تغطية تعطيل النصاب لمنع حدوث ذلك بدلاً من التهديد بالعقوبات على من يعطل النصاب.
– يحدث ذلك بينما على الحدود ارتباك كبير، حيث الاحتلال عاجز عن ترجمة تهديداته بإزالة خيمة نصبها شباب حزب الله، وخشية من أن تترجم المقاومة تهديدها بالعمل العسكري لفرض الانسحاب من الجزء الشمالي من بلدة الغجر، فيما سورية تشهد تطورات متسارعة توحي بأنّ شمال شرق سورية، على موعد مع تصاعد عمليات المقاومة بوجه الاحتلال الأميركي، ما جعل الأميركي يورّط دول الخليج بمعلومات كاذبة عن مخاطر على رعاياها، وينصح بإبعادهم عن لبنان، فصدّق البعض ومن لم يصدّق تجاوب خشية أن يقوم الأميركي بتصنيع ما يؤكد صدق التهديد، والهدف هو دبّ الذعر في لبنان وتخريب موسم الاصطياف بهدف تخريب الاستقرار المالي واسترداد ورقة الضغط في سوق الصرف، والتلويح الموازي بمخاطر العبث الأمني، وما جرى في عين الحلوة عينة أولى لا يجوز الاستخفاف بما تحمل من رسائل، والأميركي لم يكن بعيداً عنها لا في رسائل المخابرات الفلسطينية حول خطورة المشاركة في إطلاق الصواريخ من لبنان والسعي لفرض السيطرة الأمنية على كلّ ما يخرج من المخيم، ولا في رعاية عودة المجموعات العاملة في ظلال تنظيم القاعدة التي أبعدت عن المخيم، لكن الإرادة الوطنية الفلسطينية نجحت في تطويق العبث، بمساندة وانتباه واهتمام من القوى اللبنانية الوطنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى