نقاط على الحروف

إلى أين تريدون أخذ البلد؟

ناصر قنديل
– مَن يسمع البيانات والتصريحات التي أعقبت حادثة الشاحنة في منطقة الكحالة، يظن أن ثمة اكتشافا جديدا في البلد اسمه ان حزب الله يقوم بتنظيم مقاومة مسلحة ويراكم لها السلاح في جنوب لبنان، وانه ينقل لها الاسلحة والذخائر والعتاد، وان هذه المفاجأة صدمت السياسيين الذين تقاطروا للإعلان عن الشجب والرفض والمطالبة الآن الآن وليس غدا بأن يقوم الجيش اللبناني بسحب كل سلاح حزب الله ومصادرة مستودعات هذا السلاح. هذا علما أن الشاحنة المعنية، تكشف بتوقيت عبورها ومرافقتها المحدودة بالسائق ومرافقه أنها كانت تحمل شحنات عادية، الأرجح أن ليس بينها سلاح وذخائر.
– السؤال هو مّن في لبنان والمنطقة والعالم، لا يعلم أن حزب الله يمتلك ترسانة عسكرية ربما تكون هي الأضخم في المنطقة، وبالأمس تتحدث التقارير الصادرة في كيان الاحتلال عن قدرته على إطلاق ستة آلاف صاروخ يومياً على عمق الكيان وقدرته على تعطيل كل أوجه الحياة في الكيان في الأيام الأولى لأي مواجهة مرتقبة. وماذا كان يفعل الساسة والقادة منذ عام 2006 في حوارات عنوانها الاستراتيجية الدفاعية وكيفية تنظيم العلاقة بين الدولة والمقاومة؟ وإذا كان في ظنهم عندما أطلق حزب الله طائراته المسيّرة نحو حقل كاريش، وهي المسيّرات التي قال الوسيط الأميركي إنها فرضت انتزاع مطالب لبنان؟ وهل الجيش اللبناني الذي تقوم بينه وبين المقاومة آليات للتنسيق والتعاون في مواجهة عدوان جيش الاحتلال؟
– السؤال الثاني هو أنه إذا كان وجود السلاح معلوماً وليس فيه جديد، لا بل ترسانة السلاح نوعاً وكماً، فهل من صاحب عقل لا يعلم أن هذه الترسانة ترتبط بشبكة خدمة لوجستية ضخمة تمتد على الأقل بين البقاع وبيروت والجنوب، وأن المرور من بلدة الكحالة أمر طبيعي ومتوقع لمفردات هذه الشبكة اللوجستية؟ وهل نسي الذين يتصرفون بطريقة تريد الإيحاء بأن شيئاً مستغرباً يحدث، أنه خلال حرب تموز 2006 أمر قائد الجيش ميشال سليمان بتوقيف شاحنات تنقل صواريخ في منطقة ضهر البيدر تلبية لطلب أميركي؟
– السلاح ليس جديداً، وخدمته بشبكة نقل ليس جديداً، فما هو الجديد؟ الجديد هو انتهاز فرصة الحادثة التي كانت لتكون عادية لولا التحريض والتربص ومحاولات الاستغلال، لفتح النار على السلاح، وافتعال صدام أمني سقطت فيه دماء ما كان يجب أن تسقط، فهل يخدم هذا التصعيد الإعلامي والسياسي قضية النقاش الوطني حول العلاقة بين الدولة والمقاومة؟ وهل يعتقد أحد أن هذه الطريقة هي الطريقة المناسبة، وأن التوقيت هو التوقيت المناسب، وأن المدخل هو المدخل المناسب لفتح هذا الملف؟ وهل يتوهم أحد أن هذا الاختيار يمكن أن يؤدي إلى نتيجة؟
– النتيجة الوحيدة هي رفع مستوى التوتر والتصعيد الطائفي والسياسي، ودفع الشوارع اللبنانية الى التقابل والمواجهة، حول قضية معلوم سلفاً أن اللبنانيين غير موحّدين في النظر إليها، وأن محاولة الدفع بها الى الواجهة وعبر الشارع هي وصفة للفتنة، وليس لتحقيق أي مكاسب، والمستفيد الوحيد منها هو كيان الاحتلال، الذي يرغب بأن يرى في لبنان انقساماً شبيهاً للانقسام الذي يعيش تحت وطأته، وأن يرى المقاومة التي تثير الذعر بين المستوطنين، مشغولة بمشاكل الداخل مستنزفة ومنهكة، أملاً بأن يسهم ذلك بتخفيف وطأة قدرتها على تهديد أمن الكيان، وفرض الانسحاب عليه من الأراضي اللبنانية التي لا يزال يحتلها، بمثل ما فرض عليه من قبل التسليم بحقوق لبنان البحرية.
– في مناخ المزايدات الإعلامية والسياسية بين خصوم المقاومة، يمكن لأي من هؤلاء السياسيين والإعلاميين قول أي كلام مرتفع السقف، لكن هل يملك أي من هؤلاء جواباً على سؤال، الى أين يريد أن يأخذ البلد؟ وما هي توقعاته للمسارات والسيناريوهات التي يمكن أن تنتج عن هذه الخطابات والمواقف؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى