مقالات وآراء

نهاية محتومة وفوبيا زمنية…

صادق القضماني

ليست الفوبيا الوجودية داخل الكيان متعلقة بالخطر الخارجي فقط، بل تتغلغل الفوبيا لتسيطر عليهم بالانتظار الزمني على قاعدة متى تصبح حقيقة. لن أدخل في سرد التاريخ، فلست باحثاً متخصصاً، لكن حقيقة انّ “إسرائيل” ككيان لا وجود لها في التاريخ على أرض فلسطين حقيقة دامغة ليست بحاجة لإسناد، هذه الحقيقة تؤكد بأنّ التاريخ هو الأساس في معادلة الوجود، وأساس في استمرار ايّ كيان او دولة تدّعي انها من صلب التاريخ.
إذاً، الفوبيا الزمنية التي تسيطر على قادة الحركة الصهيونية، وأصحاب فكرة صناعة هذا الكيان، كقاعدة عسكرية موجهة لتحقيق مصالح الاستعمار في الشرق الأوسط، بل في الشرق عامة، وعلى إثرها بدأوا بتنفيذ سبل إطالة عمر هذا الكيان، بعد فشل الربيع العربي المزعوم، وإخضاع سورية، ونقل الثورات الملونة لإيران ولبنان.
على هذا مُبرر قراءة أنّ أحد جوانب محاولات إعادة انتشار الجيش الأميركي في المنطقة، أساسه الفوبيا الوجودية للكيان، لتؤكد أنها باتت حقيقة حاضرة أيضاً في العقل الاستراتيجي لصناع القرار في واشنطن، يحاولون التقاط ثغرات في الواقع، وتفعيل أدواتهم في المنطقة من جديد، لاستثمار الزمن قلقاً من المستقبل، فإذا زال الكيان يجب أن تحافظ واشنطن على حضورها العسكري في البلاد التي فقدت السيطرة فيها، لئلا تفقد عظمتها في العالم حسب منطقهم.
من الممكن استنباط حقيقة وجود هذه الفوبيا في ذهنيتهم اليوم بالاعتماد على ما يكتبه البعض منهم علنا، وهذا لا يقلّ أهمية عن معارك كي الوعي مقابل نشر الوعي الذي يمارسه أصحاب الحق والإرادة كمقدمة لحتمية زوال الكيان بأيّ طريقة كانت، فالمنطقة باتت تستطيع من خلال محور المقاومة والدول الحليفة والصديقة، إزالة الكيان من الوجود عسكرياً، لكن يبدو أنّ الظرف الموضوعي لم يكتمل فالحرب ليست فقط معركة انتصار فقط بل بتثبيته إلى الأبد، وهنا لا بدّ من التعامل بحكمة مع الظرف الحالي في صراع الأقطاب الذي باتت جزءا من قواه العظمى على استعداد لتدمير العالم لكي لا ينتصر أحد.
حقيقة أنهم “يرون هزيمة مشروعهم” تؤكد أنّ فكرة زوال إسرائيل ليست متعلقة فقط بالعرب والمسلمين والحق الأبدي لهوية فلسطين، بل هي فكرة يعتقد بها حاخامات، كالحاخام شمعون بن يوحاي، وجماعة ناطوري كارتا، وكثر من المؤرّخين الصحافيين وحتى من مؤسسي الكيان، كديفيد بن غوريون، مثلا الكاتب الصحافي آري شبيط الذي كتب مقالا بعنوان “إسرائيل تلفظ انفاسها الأخيرة”، ذكر فيه انّ الكيان اجتاز نقطة اللاعودة واقترح المغادرة، البروفيسور إسرائيل شاحاك قال: “انه متأكد من انّ الصهيونية ستندثر في المستقبل فهي تعمل بعكس الآراء المشتركة لمعظم شعوب العالم، وأكد انها ستجلب كارثة على المنطقة وقبل كلّ شيء على اليهود أنفسهم”. أما المؤرّخ بيني موربس قال: “افترض أفقاً زمنياً لهذه النهاية المحتومة”. رئيس الشاباك السابق في مقال لجريدة يديعوت احرنوت، استخلص أنّ “إسرائيل لن تبقى للجيل القادم”. رئيس الكنيست السابق ابراهام بورغ قال: “الكيان غيتو صهيوني يحمل زواله في ذاته”. والأهم ما قال ديفيد بن غوريون أحد مؤسسي الكيان بحسب صديقه ناحوم غولدمان، بأنه اعترف له بحق الفلسطينيين أرضهم مؤكداً انّ كيانهم هو احتلال وتوقع ان لا يدفن ابنه في الكيان، لا… العرب والمسلمين لن يرضخوا لاحتلال أرضهم ومقدساتهم.
لا بدّ هنا، من التأكيد على أنّ أساس الفوبيا الوجودية مرتبط بتطور محور المقاومة، وإعادة الحياة لنبض الشعب في أمتنا العربية والإسلامية، والاساس في تعميق الفوبيا الزمنية، وذلك من خلال قناعتهم بأنّ زوالهم محتوم بالشرط وليس بالوقت، والشرط هنا لا بدّ من تثبيته باتجاه تعاظم محور المقاومة بكافة دوله أحزابه وفصائله بجيش من المقاومين الذي لديهم بأس شديد في عقيدتهم وبوصلتهم، وعليه فإنّ المعركة الأخيرة في جنين كمثال تحت اسم ” بأس جنين” ارتدّت لصنّاع القرار في الكيان بأنّ بأس المقاومين، يقترب اكتماله، وأنّ جدوى المقاومة باتت رؤية جيل كامل.
لا أقصد من خلال عرض تسمية بأس جنين إلا كرمزية لذهنية جدوى المقاومة وانتشار روحيتها في المنطقة بثقة عالية، فبأس المقاومة ثبت من خلال معارك كثيرة خلال السنوات الماضية وليست مرهونة لفصيل أو حزب بل لكافة شرائح المجتمع المؤمن فيها، بل لمحور كامل راكم التطور من خلال انتصارات، وعنوانه حزب الله وركيزته إيران وعمود خيمته سورية، وقاعدته شعبنا العربي والشعب الفلسطيني خاصة والقوى التي تنطلق عقائدياً لاسترجاع الحق في اي طريقة.
بالاعتماد على تحليل المعطيات الحالية لأحداث المنطقة، نستطيع الربط بالتحليل كمثال، فتنة مخيم عين الحلوة في الفوبيا الوجودية الزمنية، الفتنة في مخيم على أرض لبنانية والهدف في الضفة الغربية تحديداً. (وحدة الساحات).
ليس خفياً على أحد أنّ قرار وحدة الساحات هو نتيجة لتشكل محور مقاومة، لكنه لم يكتمل فالمقاومة متأصّلة في فصائل وقوى لها تاريخ وإنجازات ولم تنضوِ جميعها للآن تحت مظلة المحور، ومن خلال قراءة الفوبيا الزمنية التي يعيشها قادة الكيان، فإنّ قلقهم الأكبر في ساحة الضفة الغربية ما يسمّونها هم (يهودا والسامرة) هو من التحام كافة القوى المؤثرة في المواجهة بقرار سياسي بوحدة الساحات، ربما أحد جوانب الفتنة خلق شرخ بين حركة فتح الأقوى في الضفة من حيث الانتشار والقدرات مع فصائل المقاومة المتحالفة علناً مع المحور. نستطيع قراءة التفجير الإرهابي في السيدة زينب، محاولة لتأليب البيئة الحاضنة للمقاومة في دمشق على المقاومة تحت منطق انّ أبواق الاستعمار يروّجون ان المستهدف هؤلاء الذين يأتون للحجّ ولديهم انتشار مقاوم في الدولة.
حدث الكحالة، رغم انه حادث عادي نرى حوادث أخرى أكثر خطورة وجعله مادة رأي عام، وتحويله إلى حدث طائفي وموجه ضد سلاح المقاومة، لا نستطيع الا اعتباره أحد الأحداث التي تبحث عنها أدوات الاحتلال لاستثمارها لجر البلد لاقتتال داخلي، وهي بسياق تنفيذ مشروع الاستعمار لتحييد المقاومة عن استكمال الشرط لتحرير فلسطين وتحقيق ما يريد الاحتلال إضعافه والقضاء عليه.
إشاعات جاهزة!! بهدف “ضرب عصفورين بحجر واحد” حسب المثل الشعبي، اقتتال داخلي، وتحييد استكمال وحدة الساحات مع كافة القوى الوطنية التي لم تعلن موقفاً رسمياً منها ولها جناح عسكري قادر على إحداث تطوّر إيجابي بمشروع المواجهة.
“نستطيع ان نقرأ جميع الفتن وأي حدث في المنطقة سابقاً وحاضراً ولاحقاً على قاعدة ان قادة الكيان ومن خلفهم، يريدون إضعاف الشرط لزوالهم لكسب زمن إضافي تستفيد منه قوة الشر والاستعمار في العالم”، فشل قادة الكيان في استئصال المقاومة الإسلامية العربية في لبنان إبان حرب 2006، والمقاومة في غزة عام 2008، كما فشلوا في تحويل سورية إلى دولة خانعة، سيتبعه فشل في الضفة الغربية، فالمقاومة ذهنية المؤمنين في كلّ مكان، وهم ذوو بأس شديد حين تتوحد كلّ الساحات، فهم الآن موحدين في الهدف ولا فرق بين مقاوم ومقاوم مهما تعدّدت الفصائل والتنظيمات، والبوصلة فلسطين وعاصمتها القدس وكلّ الأراضي المحتلة.
في ختام المقال، ومن صلب الفكرة وليس بالتناقض لها، فإنّ إشهار بعض قادة الكيان آراءهم على عملهم الدؤوب لإطالة وقت الكيان، هي من صلب الفوبيا، لكن تستعمل كرسالة مبطنة لعلّ الإيمان بزوالهم سيؤخر حرباً تحريرية من قبل أصحاب الحق، اعتماداً على عامل الزمن لزوالهم بالعامل الداخلي الهشّ الذي يعيشه الكيان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أسير محرر،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى