أولى

فلسطين وإيقاع المقاومة

– يكاد لا يمرّ يوم دون أن يسجل أبطال المقاومة في فلسطين مشهداً جاذباً ومبهراً جديداً، يؤكد أن زمناً جديداً قد فرض حضوره على الصراع بين كيان الاحتلال وقوى المقاومة، واستطراداً على المنطقة. والميزة الرئيسية لهذا الجديد، هي أن جيش الاحتلال قد استنفد كل الطرق لاحتواء هذه المقاومة أو ضربها أو إخضاعها او تجفيف مواردها الشعبية والمادية، وأصيب بالفشل الذريع. فصارت عنصراً ثابتاً من عناصر المشهد الإقليمي، تستمد أهميتها من أهمية الكيان نفسه في هذه المعادلات. فمن يذهب الى التطبيع مع كيان يبدو أنه يحتضر وهو مصاب بالعجز على كل المستويات، بحيث صار التطبيع حقنة مصل للكيان بدلاً من أن يكون عنصر استقواء بالكيان في مواجهة المخاطر والتحديات.
– حاول جيش الاحتلال إنهاء ردع المقاومة في غزة عبر عملية استهداف قادة الجهاد الإسلامي وأصيب بالفشل، وصارت غزة خلفية للضفة تمنع على الأقل التفكير بتكرار نموذج جنين 2002، عندما قام طيران الاحتلال بتدمير المخيم على رؤوس ساكنيه، وهو يعلم أن مثل هذا التوحّش مخاطرة بحرب تدخلها غزة بقوة وربما يلحق بها محور المقاومة كله. وعندما أراد ترويض الضفة واتخذ من جنين نموذجاً تحولت جنين إلى نموذج معاكس، بفعل فشل جيش الاحتلال، وصارت جنين ملاذاً للمقاومين ومخازن أسلحتهم وعتادهم، ومصانع وصواريخهم ولاحقاً طائراتهم المسيرة، كما يتوقع قادة جيش الاحتلال ومخابراته، سيراً على الطريق الذي سلكته غزة، وعندها سوف تصبح جنين غزة الضفة تساند كل بلدة أو مدينة يقتحمها الاحتلال، بمعادلة المسيّرات والصواريخ، كما ساندت غزة جنين في طور النمو.
– إذا كانت السياسات الأميركية في المنطقة عالقة عند حالة العجز التي تُصيب الكيان، فإن دول المنطقة المنضوية في محور المقاومة والواقفة خارجه والبعيدة عنه أو القريبة منه، لا تستطيع أن ترسم سياستها بعيداً عن مشهد المواجهة اليومية المتنامية بين المقاومة في الضفة وجيش الاحتلال، ومثلما يشكل القلق على مصير الكيان عنصراً محركاً في رسم السياسات الأميركية التي تدفعها الحسابات الواقعية والعقلانية للخوض بتسويات مع إيران وسورية وقوى المقاومة، تفادياً لمواجهة لا تريدها وتعرف ان تكلفتها أعلى بكثير من عائداتها المرتقبة، ولا يلجمها عن سلوك هذا الطريق إلا القلق من أن تشكل كل مكاسب يحققها محور المقاومة من هذه التسويات بعض مصادر القوة التي تجعله أكثر قدرة على الفوز بالحرب المقبلة مع الكيان، وأكثر قرباً من هذه الحرب، فإن ترقب مشهد المواجهة بين الاحتلال والمقاومة في الضفة يقف في خلفية مقاربة كل دول المنطقة وقواها للمشهد الفلسطينيّ الجديد، لأن لا أحد يستطيع الحديث عن استحالة خروج الأمور عن السيطرة، مع سيطرة مجموعة من الحمقى على قيادة الكيان، يواجهون مقاومة فلسطينية لا يستطيع أحد إيقافها.
– المنطقة على إيقاع فلسطين، فرح البعض بذلك أم حزن بعض آخر، فهذا أمر لا يتعلق بالمشاعر والتمنيات، ولعله الحقيقة الوحيدة الثابتة.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى